على امتناعه وارتفاعه، وسموّ يفاعه، وما بذل العدوّ فيه من استعداده، وتوفير أسلحته وأزواده، وانتخاب أنجاده، فصلينا بنفسنا ناره، وزاحمنا عليه الشهداء نصابر أواره، ونلقى بالجوارح العزيزة سهامه المسمومة، وجلامده الملمومة، وأحجاره، حتّى فرعنا بحول من لا حول ولا قوّة إلا به أبراجه المنيعة وأسواره، وكففنا عن العباد والبلاد أضراره، بعد أن استضفنا إليه حصن «١» السهلة جاره، ورحلنا عنه بعد أن شحنّاه رابطة وحامية، وأزوادا نامية، وعملنا بيدنا في رمّ ما ثلم القتال، وبقر من بطون مسالحه الرجال، واقتدينا بنبينا صلوات الله عليه وسلامه في الخندق لمّا حمى ذلك المجال، ووقع الارتجاز المنقول خبره والارتجال، وما كان ليقرّ للاسلام مع تركه القرار، وقد كتب الجوار، وتداعى الدّعرة وتعاوى الشّرار.
وكنا أغزينا الجهة «٢» الغربية من المسلمبن بمدينة برغة «٣» التي سدّت بين القاعدتين: مالقة ورندة الطريق، وألبست ذلّ الفراق ذلك الفريق، ومنعتهما أن يسيغا الرّيق، فلا سبيل إلى الإلمام، لطيف المنام في الأحلام، ولا رسالة إلا في أجنحة هديّ الحمام، فيسّر الله فتحها، وعجّل منحها، بعد حرب انبتّت فيها النّحور، وتزيّنت الحور، وتبع هذه الأمّ بنات شهيرة، وبقع للزّرع والضّرع خيرة، فشفي الثّغر من بوسه، وتهلّل وجه الإسلام بتلك الناحية بعد عبوسه.
ثم أعملنا الحركة إلى مدينة الجزيرة «٤» على بعد المدى، وتعلّقها على بلاد العدا، واقتحام هول الفلا وغول الرّدا، مدينة بنتها حمص «٥» فأوسعت