وأسدّنا تدبيرا، وأوفانا حلما، وأكملنا حزما. وقد تكررت- أيد الله مولانا- على ذات بيننا قوارص احتقرناها حتّى امتلأ الإناء من قطرها، واستقينا منها على العظيمة التي لا ثواء بعدها، وما أعود على نفسي بلوم في ابتداء قبيح ابتدأته، ولا بمركب شنيع ركبته ولا حقّ اطّرحته، ولا استصلاح تركته، ولا أدفع مع ذلك أنني قابلت لما تضاعف بالأقل الأيسر، وجازيت لما ترادف بالأدون الأنزر، إلا أني ما آثرت كثيره ولا قليله، ولا اخترت دقيقه ولا جليله، لكنه لم يصلح في السيرة- وقد أشفينا على التزاحف للحرب، والتّدالف للطّعن والضرب- أن أستعمل ما كنت عليه من توفية الحقوق، وإقامة الرسوم، فيراني الأولياء الذين بهم تحمى البيضة، وتحاط الحوزة، متناقض الفعلين، متنافي المذهبين، وكنت في ذلك الفعل الذّميم، والرأي الذي ليس بمستقيم، مقتديا لا مبتديا، ومتّبعا لا مبتدعا. ولو وقف بي مولانا الملك الجليل قبل أواخر الجفاء، وعطف معي إلى أوّل شرائع الصّفاء، لكانت عريكتي عليه ألين، وطريقه إلى ارتباط طاعتي وولائي أقصد، لكنه، أيّده الله، أقام على ما لا يليق به من مجانبتي ومغالظتي، وبثّ الحبائل لي ودسّ المكايد إليّ، ومتابعته الجواسيس والكتب إلى الأولياء في عسكري الذين هم أولياؤه، إن أنصف وعدل، ونصحاؤه، إن أحسن وأجمل.
وكان الأشبه بمولانا لو كنت الغالط عليه، والباعث لهذه الأسباب إليه، أن يسوسني سياسة الحكيم، ويستخلصني استخلاص الكريم، إذ كنّا لم نقدّمه معشر أهل البيت علينا، ونولّه أزمّة أمورنا، إلا ليأسو جروحنا، ويجبر كسورنا، ويتعهّد مسيئنا، ويستميل نافرنا، فأما أن يحاول منا استباحة الحريم، وإركاب المركب العظيم، فكيف يجوز أن تدوم على هذا طاعة، أو تصلح عليه جماعة، أو يغضي عليه مغض، أو يصفح عنه صافح؟. وكان من أشدّ هذه الجفوة وأفظعها، وأقساها وأغلظها، أن عاد رسولي من حضرته خاليا من جواب بما كتبت إليه، وما أعرف له أيده الله في ذلك عذرا يبسطه، ولا سلك منه السبيل التي تشبهه، وبالله جهد القسم ومنتهاها، وأجلّها وأوفاها، لقد سار مولانا أمير