وأمّا ما منّيتناه من مصيرك إلينا في حشودك وجموعك، ومن دخل في طاعتك؛ لإصلاح عملنا، ومكافحة أعدائنا؛ بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا، فما كان إلا بسببك فأصلح أيها الصبيّ الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا، واحزم في أمرك قبل استعمالك الحزم لنا؛ فما أحوجنا الله وله الحمد إلى نصرتك وموازرتك، ولا اضطررنا إلى التكثر [بك] على شقاقك ومعصيتك: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً
«١» وليت شعري على من تهوّل بالجنود، وتمخرق «٢» بذكر الجيوش؛ ومن هؤلاء المسخّرون لك، الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك؟ دون رزق ترزقهم إيّاه، ولا عطاء تدرّه عليهم؛ فقد علمت إن كان لك تمييز، أو عندك تحصيل؛ كيف كانت حالك في الوقعة التي كانت بناحية أطرابلس «٣» ، وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتّى هزمت، فكيف تغترّ بمن معك من الجنود الذي لا اسم لهم معك؛ ولا رزق يجري لهم على يدك؟ فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك والخوف من سلطانك، فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منّا، ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك، وإنهم لأحرى بخذلك، والميل إلينا دونك. ولو كانوا جميعا معك ومقيمين على نصرتك، لرجونا أن يمكّن الله منك ومنهم، ويجعل دائرة السّوء عليك وعليهم، ويجرينا من عادته في النّصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضّل علينا بأمثاله، ويتطوّل بأشباهه. فما دعاني إلى الإرجاء لك، والتسهيل من خناقك «٤» والإطالة من عنانك، طول هذه المدّة إلا أمران: أغلبهما كان عليّ احتقار أمرك واستصغاره؛