آخر عن أوّل، ويأثرها «١» غابر عن ماض، وتخلّد في بطون الصحائف، وتحملها الرّكبان، ويتحدّث بها في الآفاق، وتلحق بها وبأعقابك عارا ما أطّرد الليل والنهار، واختلف الظّلام والأنوار.
فحينئذ تعلم أيّها المخالف أمر أبيه، القاطع رحمه، العاصي ربّه؛ أيّ جناية على نفسك جنيت؟ وأيّ كبيرة اقترفت واجتنيت، تتمنّى، لو كانت فيك مسكه «٢» ، أو فيك فضل إنسانيّة، أنك لم تكن ولدت، ولا في الخلق عرفت، إلا أن تراجع من طاعتنا والإسراع إلى ما قبلنا خاضعا ذليلا كما يلزمك، فنقيم الاستغفار مقام اللعنه، والرّقة مقام الغلظه؛ والسلام على من سمع الموعظة فوعاها، وذكر الله فاتّقاه، إن شاء الله تعالى.
وكما كتب الأخشيد محمد بن طغج [صاحب الديار المصرية]«٣» وما معها من البلاد الشامية، والأعمال الحجازيّة، إلى أرمانوس: ملك الروم، وقد أرسل أرمانوس إليه كتابا يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة، فأمر بكتابة جوابه فكتب له الكتّاب عدّة أجوبة ورفعوا نسخها إليه، فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النّجيرميّ «٤» وكان عالما بوجوه الكتابة.