ومنها جند فلسطين، وهي الأرض المقدّسة، وبها المسجد الأقصى، وكرسيّ النصرانية، ومعتقد غيرها، ومحجّ النصارى واليهود طرّا، ومقرّ داود وسليمان ومسجدهما. وبها مسجد إبراهيم وقبره وقبر إسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام، وبها مولد المسيح وأمّه وقبرها.
هذا إلى ما نتقلّده من أمر مكة المحفوفة بالآيات الباهرة، والدلالات الظاهرة؛ فإنا لو لم نتقلّد غيرها لكانت بشرفها، وعظم قدرها، وما حوت من الفضل توفي على كل مملكة، لأنها محجّ آدم ومحجّ إبراهيم وارثه ومهاجره، ومحجّ سائر الأنبياء، وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام وداره وقبره «١» ، ومنبت ولده، ومحجّ العرب على مرّ الحقب، ومحلّ أشرافها، وذوي أخطارها، على عظم شأنهم، وفخامة أمرهم. وهو البيت العتيق، المحرّم المحجوج إليه من كل فجّ عميق، الذي يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف، من مضى ومن خلف؛ وهو البيت المعمور، وله الفضل المشهور.
ومنها مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم المقدّسة بتربته، وإنّها مهبط الوحي، وبيضة هذا الدّين المستقيم الذي امتدّ ظلّه على البرّ والبحر، والسّهل والوعر؛ والشّرق والغرب، وصحارى العرب على بعد أطرافها، وتنازح أقطارها، وكثرة سكّانها في حاضرتها وباديتها، وعظمها في وفودها وشدّتها، وصدق بأسها ونجدتها، وكبر أحلامها، وبعد مرامها، وانعقاد النصر من عند الله براياتها. وإن الله تعالى أباد خضراء «٢» كسرى، وشرّد قيصر عن داره ومحل عزّه ومجده بطائفة منها. هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا؛ وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسيّ من أعظم كراسيّكم: بيت المقدس، وأنطاكية، والإسكندريّة، مع ما إلينا من البحر وجزائره، واستظهارنا