بناره، ونازل جبل الفتح فشدّ مخنق حصاره، وأدار أشياعه في البرّ والبحر دور السّوار على أسواره، وانتهز الفرصة بانقطاع الأسباب، وانبهام الأبواب، والأمور التي لم تجر للمسلمين بالعدوتين على مألوف الحساب؛ وتكالب التثليث على التوحيد، وساءت الظّنون في هذا القطر الوحيد، المنقطع بين الأمم الكافرة، والبحور الزاخرة، والمرام البعيد. وإننا صابرنا بالله تيّار سيله، واستضأنا بنور التوكّل عليه في جنح هذا الخطب ودجنّة ليله، ولجأنا إلى من بيده نواصي الخلائق، واعتلقنا من حبله المتين بأوثق العلائق، وفسّحنا مجال الأمل في ذلك الميدان المتضايق؛ وأخلصنا لله مقيل العثار، ومولى أولي الاضطرار، قلوبنا، ورفعنا إليه أمرنا، ووقفنا عليه مطلوبنا، ولم نقصّر ذلك في إبرام العزم واستشعار الحزم، وإمداد الثّغور بأقصى الإمكان، وبعث الجيوش إلى ما يلينا من بلاده على الأحيان؛ فرحم الله انقطاعنا إلى كرمه، حين لجأنا إلى حرمه، فجلا بفضله سبحانه ظلام الشّدّة، ومدّ على الحريم والأطفال ظلال رحمته الممتدّة، وعرّفنا عوارف الصّنع الذي قدم به العهد على طول المدّة، ورماه بجيش من جيوش قدرته أغنى عن إيجاف الرّكاب، واحتشاد الأحزاب، وأظهر فينا قدرة ملكه عند انقطاع الأسباب، واستخلص العباد والبلاد من بين الظّفر والناب؛ فقد كان سدّ المجاز بأساطيله، وكاثر كلمة الحقّ بأباطيله، ورمى الجزيرة الأندلسيّة بشؤبوب شرّه، وصيّرها فريسة بين غربان بحره وعقبان برّه، فلم يخلص إلى المسلمين من إخوانهم مرفقة إلا على الخطر الشديد، والإفلات من يد العدوّ العنيد، مع توفّر العزائم- والحمد لله- على العمل الحميد، والسعي فيما يعود على الدّين بالتأييد.
وبينما شفقتنا على جبل الفتح تقيم وتقعد، وكلب الأعداء عليه يبرق ويرعد، واليأس والرجاء خصمان هذا يقرّب وهذا يبعد، إذ طلع علينا البشير بانفراج الأزمة، وحلّ تلك العزمة «١» ، وموت شاة «٢» تلك الرّقعة، وإبقاء الله على