إليه قلبه لو رآه في المنام؛ وتداولته المطاولة المستدرجة، والعاجلة المزعجة؛ وفي كلّ ذاق عذاب الهون، فأحسّ بقاصمة المتون وقاضية المنون؛ وانقسمت شدّته إلى المهلكين: خوف وإعدام، واستكملت تسعة أشهر وكان الفتح عندها لتمام؛ وإنه للولد الذي هنّيء به الإسلام، وضنّت بمثله الأيام، واستبشر بوجوده الأنام؛ فما أعلى مقامه! وأبهج يومه وأسعد عامه! ولا غرو أن تكون غرّته أبهى الغرر، ومفتتحه مباركا كالبشر؛ وقد أسفر عن أيمن وجه النّجح، وخرج من عموم الأيام بمخصّص هذا الفتح؛ وانتقم الله فيه من الشقيّ الظالم، العظيم الجرأة على ارتكاب المظالم؛ فطاح بموبق أعماله، وعجّل الله به إلى ما أعدّ لأمثاله؛ وكان دمه شرّ دم أريق، وأديمه أخبث أديم لاقى التمزيق.
والحمد لله الذي نصر الراية العباسيّة وأعلاها، وأظهر آية عنايته وجلّاها، وأسبغ نعمه الجسيمة ووالاها. وحين ورد هذا النبأ العظيم [كان] أندى من قطر النّدى على الأكباد، وسرى في البلاد سريان الأرواح في الأجساد، وكلفت به الأسماع والأسمار، وسمت به وإليه الأمصار والأبصار؛ واستقرّ من ارتجاع البلد، وانتزاع النفس الذاهبة إلى جري الأبد، حكمان مدركهما الفعل والإقرار، وعملان تمّ بهما المراد والاختيار؛ فرفعت الأدعية إلى سامعها، وغصّت الأندية بحاضري مجامعها؛ وذاع بالبشرى فيا حسن ذائعها وشائعها، وأذعنت الآمال لإدناء نازحها وشاسعها، وأخذ العبد من المسرّة بحظّ أخلص العبيد مشهدا ومغيبا، وأجمعهم لمعالي الجدّ تطنيبا، ولمعاني الثناء والحمد تطييبا، وجدّد من شكر الواهب لجزيل هذه الهبة، والفاتح لأعظم المعاقل الأشبة «١» ما يستغرق المدد، ولا يبلغ الأمد؛ وأنّى [لمثلي] أن يصف البشرى الواصلة، أو ينصف المقالة المتطاولة، ولو حلب أشطر الإحسان «٢» ، وجلب أبحر البيان؛ وكيف والفكر قد قعد حصرا، والمدى لا