ومن خبر الكفّار أنهم إلى الآن على عكّا يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه، ويخرج للمسلمين منهم أمر من أجاجه»
؛ قد تعاضدت ملوك الكفر «٢» على أن ينهضوا إليهم من كلّ فرقة منهم طائفة، ويقلّدوا لهم من كل قرن يعجز بالكرّة واصفه؛ فإذا قتل المسلمون واحدا في البرّ بعث البحر عوضه ألفا، وإذا ذهب بالقتل صنف منهم أخلف بدله صنفا؛ فالزّرع أكثر من الجداد «٣» ، والثمرة أنمى من الحصاد. وهذا العدو المقاتل- قاتله الله- قد زرّ عليه من الخنادق أدراعا متينة، واستجنّ من الجنويات «٤» بحصون حصينة؛ مصحرا ومتمنّعا، وحاسرا ومتدرّعا ومواصلا ومنقطعا؛ وكلّما أخرج رأسا قد قطعت منه رؤوس، وكلّما كشف وجها كشف من غطاء أجسادها نفوس؛ فكم من يوم أرسلوا أعنّة السوابق فذمّوا عقبى إرسالها، وكم من ساعة فضّوا فيها أقفال الخنادق فأفضى إليهم البلاء عند فضّ أقفالها؛ إلا أنّ عددهم الجمّ قد كاثر القتل، ورقابهم الغلب قد قطعت النّصل لشدّة ما قطعها النصل. ومن قبل الخادم من الأولياء قد آثّرت المدّة الطويلة، والكلف الثقيلة، في استطاعتهم لا في طاعتهم، وفي أجوالهم «٥» لا في شجاعتهم؛ فالبرك «٦» قد أنضوه، والسّلاح قد أحفوه، والدّرهم قد أفنوه؛ وكلّ من يعرفهم من أهل المعرفة، ويراهم بالعين فما هم مثل من يراهم بالصّفة؛ يناشد الله المناشدة النبويّة، في الصّيحة البدرية؛ اللهم إن تهلك هذه العصابة، ويخلص الدعاء ويرجو على يد أمير المؤمنين الإجابة. هذا والساحل قد تماسك، وما تهالك؛ وتجلّد، ما تبلّد؛ وشجّعته مواعد النّجدة الخارجة، وأسلته عن مصارع العدّة الدّارجة؛ فكيف به إذا خرج داعية الألمان، وملوك للصّلبان، وجموع ما