الوقائع والأحوال، فأودعها في مكانها، واستشهد بها في موضعها، والطريق في استعمالها في النثر، كما في حل الأشعار واستعمالها؛ إلا أن الأمثال لا يجوز تبديل ألفاظها، ولا تغيير أوضاعها: لأنها بذلك قد عرفت واشتهرت.
فما استعمله أهل الصناعة من الأمثال المنثورة وأوردوه في كلامهم قول المقرّ الشهابي ابن فضل الله في «التعريف» في وصية أمير مكة المعظمة «ولأنه أحقّ بني الزّهراء بما أبقته له آباؤه، وألقته إليه من حديث قصيّ جدّه الأقصى أبناؤه؛ وهو أجدر من طهّر هذا المسجد من أشياء تنزّه أن يلحق به فحش عابها، وشنعاء هو يعرف كيف يتتبّعها «وأهل مكّة أخبر بشعابها» ، فاستعمل المثل السائر في قوله وأهل مكة أخبر بشعابها؛ وقد وقع هذا المثل في كلامه أحسن موقع، وجاء على أجمل نظام: لأنه قد أتى به في مكانه اللائق به، ومحله المخصوص بوصفه؛ وقد نقله الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله فاستعمله في غير هذا المعنى، فجاء منحطّا عن هذه الدرجة، وقاصرا عن رتبتها، فقال في وصية خطيب: ووصايا هذه الرتبة متشعبة، وهو كأهل مكة أخبر بشعابها، وأحوالها مترتبة، وهو على كل حال أدرب وأدرى بها؛ إلا أنه قد ظرّف بذكر الجناس الاشتقاقيّ في قوله متشعبة مع قوله بشعابها.
ومن ذلك قول الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ رحمه الله في خطبة تقليد بفتوّة عن ملك:«ونشهد أن محمدا عبده ورسوله» ، الذي نور شريعته جليّ، وجاه شفاعته مليّ، وبسيفه وبه جاء النصر والشرف من انتمائنا إليه، فلا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ. وهذا على ما هو شائع على الألسنة، وأن ذلك قيل في يوم ضرب علي رضي الله عنه كافرا اسمه مرحب، فشقّ البيضة على رأسه نصفين، وتمادى السيف فيه وفي جواده فشقّهما كذلك وخلص السيف بينهما فغاص في الأرض شبرين؛ إلا أن المعروف عند المحدّثين وأصحاب السير أن ذا الفقار اسم سيف للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، اصطفاه من خيبر لنفسه حين اصطفى صفيّة بنت حيىّ بن أخطب رضي الله عنها، ولعله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أعطاه عليّا رضي الله عنه بعد ذلك.