ومن ذلك ما ذكرته في المفاخرة بين السيف والقلم في الكلام على لسان القلم، وهو:«أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، وكريمها المبجل، وعالمها المهذب» . فالقرينة الأولى فيها مثلان، وأوّل من قالهما الحباب بن المنذر الأنصاري يومّ السّقيفة، حين اجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة، يوم مات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا تأميره فذهب إليهم أبو بكر وعمر، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وقال الحباب بن المنذر: منّا أمير ومنكم أمير، إلى أن كان من كلامه هذان المثلان. والجذيل تصغير جذل، واحد الأجذال؛ وهي أصول الشجر العظام؛ وكانت العرب إذا جربت الإبل نصبت لها جذلا في باطن الوادي تحتكّ فيه، فلذلك قال جذيلها المحكّك، أراد أنه يستشفى برأيه، كما تستشفي الإبل بالحك في ذلك الجذل؛ والعذق بفتح العين النخلة بحملها؛ وكان من عادتهم أن النخلة الكريمة يبنى حولها بناء يمنعها من السّقوط؛ فذلك هو الترجيب؛ أراد أنه كريم في قومه عزيز عليهم. وما ذكرته في المفاخرة بين السيف والقلم أيضا على لسان السيف وهو:«فالشمس من شعاعي في خجل، والليل من ضوئي في وجل؛ وما أسرعت في طلب ثأر إلا قيل فات ما ذبح، وسبق السيف العذل» . ففي القرينة الأخيرة مثلان أحدهما «فات ما ذبح» وهو مثل يضرب لمن طلب الشيء بعد فواته، وأصله أن بعض الملوك رأى مع أعرابيّ بازيا، فأعجبه فأرسل في طلبه قاصدا، فأتى الأعرابي ولم يكن عنده ما يضيفه به، فذبح البازي وطبخه وقدّمه إليه، غير عالم بقصده، فلما فرغ من أكله ذكر للأعرابيّ أمر البازي وما كان من طلب الملك له، فقال «فات ما ذبح» إنك أتيتني ولم يكن عندي ما أضيفك به، فذبحت البازي وطبخته، وهو الذي قدّمته إليك. والمثل الثاني «سبق السيف العذل» وهو مثل لمن يلوم على فعل شيء بعد وقوعه وفوات أمره.
ومما حلّ من الأمثال الواردة نظما، واستعمل في النثر، قول القاضي شهاب الدين بن فضل الله في «التعريف» في وصية أمير مكة المعظمة أيضا،