للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليعلم السلطان المعظّم محمود غازان «١» أنّ كتابه ورد، فقابلناه بما يليق بمثلنا لمثله من الإكرام، ورعينا له حقّ القصد فتلقيناه منّا بسلام؛ وتأمّلناه تأمّل المتفهّم لدقائقه، المستكشف عن حقائقه؛ فألفيناه قد تضمّن مؤاخذات بأمورهم بالمؤاخذة عليها أحرى، معتذرا في التعدّي بما جعله ذنوبا لبعض طالب بها الكلّ، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *

«٢» أمّا حديث من أغار على ماردين من رجالة بلادنا المتطرّفة وما نسبوه إليهم من الأمور البديعة، والآثام الشّنيعة؛ وقولهم: إنهم أنفوا من تهجّمهم، وغاروا من تقحّمهم؛ واقتضت الحميّة ركوبهم في مقابلة ذلك، فقد تلمّحنا هذه الصورة التي أقاموها عذرا في العدوان، وجعلوها سببا إلى ما ارتكبوه من طغيان؛ والجواب عن ذلك أنّ الغارات من الطّرفين [و] لم يحصل من المهادنة والموادعة ما يكفّ يدنا الممتدّة، ولا يفترّ هممها المستعدّة؛ وقد كان آباؤكم وأجدادكم على ما علمتم من الكفر والشّقاق، وعدم المصافاة للإسلام والوفاق؛ ولم يزل ملك ماردين ورعيّته منفّذين ما يصدر من الأذى للبلاد والعباد عنهم، متولّين كبر نكرهم؛ والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ

«٣» وحيث جعلتم هذا ذنبا للحميّة الجاهليّة، وحاملا على الانتصار الذي زعمتم أنّ همّتكم به مليّة؛ فقد كان هذا القصد الذي ادّعيتموه يتمّ بالانتقام من أهل تلك الأطراف التي أوجب ذلك فعلها، والاقتصار على أخذ الثار ممن ثار، اتباعا لقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها

«٤» لا أن تقصدوا الإسلام بالجموع الملفّقة على اختلاف الأديان، وتطأوا البقاع الطاهرة بعبدة الصّلبان؛ وتنتهكوا حرمة البيت المقدّس الذي هو ثاني بيت

<<  <  ج: ص:  >  >>