الله الحرام، وشقيق مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وإن احتججتم بأنّ زمام تلك الغارة بيدنا، وسبب تعدّيهم من سنّتنا؛ فقد أوضحنا الجواب عن ذلك، وأنّ عدم الصّلح والموادعة أوجب سلوك هذه المسالك.
وأما ما ادّعوه من سلوك سنن المرسلين، واقتفاء آثار المتقدّمين، في إنفاذ الرّسل أوّلا، فقد تلمحنا هذه الصّورة، وفهمنا ما أوردوه من الآيات المسطورة؛ والجواب عن ذلك أنّ هؤلاء الرّسل ما وصلوا إلينا إلا وقد دنت الخيام من الخيام، وناضلت السهام السّهام، وشارف القوم، ولم يبق للّقاء إلا يوم أو بعض يوم؛ وأشرعت الأسنّة من الجانبين، ورأى كلّ خصمه رأى العين؛ وما نحن ممن لاحت له رغبة راغب فتشاغل عنها، ولا ممن يسالم فيقابل ذلك بجفوة النّفار، والله تعالى يقول: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها
«١» كيف والكتاب بعنوانه! وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «ما أضمر إنسان شيئا إلا ظهر في صفحات وجهه وفلتات لسانه» . ولو كان حضور هؤلاء الرسل والسّيوف وادعة في أغمادها، والأسنّة مستكنّة في أعوادها؛ والسّهام غير مفوّقة، والأعنّة غير مطلقة؛ لسمعنا خطابهم، وأعدنا جوابهم.
وأما ما أطلقوا به لسان قلمهم، وأبدوه من غليظ كلمهم؛ في قولهم: فصبرنا على تماديكم في غيّكم، وإخلادكم إلى بغيكم؛ فأيّ صبر ممن أرسل عنانه إلى المكافحة، قبل إرسال رسل المصالحة؛ وجاس خلال الدّيار، قبل ما زعمه من الإعذار والإنذار؟ وإذا فكّروا في هذه الأسباب، ونظروا ما صدر عنهم من خطاب، علموا العذر في تأخير الجواب، وما يتذكّر إلا أولوا الألباب.
وأمّا ما تبجّحوا به مما اعتقدوه من نصرة، وظنّوه من أنّ الله جعل لهم على حزبه الغالب في كلّ كرة الكرّة؛ فلو تأمّلوا ما ظنّوه ربحا لوجدوه هو الخسران المبين، ولو أنعموا النظر في ذلك لما كانوا به مفتخرين؛ ولتحققوا أنّ الذي اتّفق