ولو على أجنحة الطير ومتون الرّياح؛ وقد مضت مدّة مديدة لم يقدم علينا من المقام الشريف- عظّم الله تعالى شأنه- رسول يطفيء لواعج الاشتياق، ولا ورد عنه كتاب يتعلّل المحبّ بتلقّيه عن حقيقة التّلاق؛ بل سدّ باب المكاتبة حتّى كأنّ المكاتبة لم تخلق؛ وأغلق باب المراسلة وإن كان باب المحبّة- بحمد الله- لم يغلق؛ فطمح بخاطرنا الشريف طامح الشوق المتزايد، وحملنا موصول المحبّة المستغني بمواصلته عن الصّلة والعائد، أن نفاتح المقام العالي دامت معدلته بهذه المفاوضة: لتجدّد من العهود القديمة رسومها، وتطلع من مشارق المخاطبة نجومها؛ وتنسخ آية الهجران وتمحوها، وتصقل مرآة المصافاة وتجلوها، وتستجلب الأنس وإن صحّ الميثاق، وتذكّر الخواطر الوداد وإن ثبتت منه الأصول ورسخت الأعراق، وتنوب عن نظرنا الشريف في مشاهدة محيّاه الكريم، ومصافحة كفّه التي حديث ودّها قديم، وتستطلع أخباره، وتستعرض على تعاقب الأزمان أوطاره.
وقد اخترنا لتبليغ رسالتها، وأداء أمانتها، المجلس السامي المقرّب الأمين خواجا فلان أعزّه الله تعالى، وحمّلناه من السلام ما يهتدي بضوئه الساري، ويفوق بعرفه العنبر الشّحريّ «١» والمسك الدّاري «٢» : ليحكم بحسن السّفارة من المخالصة مبانيها، ويعقد منها بمتابعة الرّسل والقصّاد أواخيها؛ وجهّزنا صحبته كذا وكذا على سبيل الهديّة المندوب بذلها وقبولها، والحاكم بصحة عقد المحبّة كثيرها وقليلها؛ والله تعالى يزيد في ارتفاع قدره الخطير، ويحوط به من ملكه الجنكزخاني ما يحقّق أنه صاحب التاج والسّرير.