للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرمين الشريفين الذين اتّفق لهم مع التّتار ما تشهد به التواريخ، ومن عادتنا وشأننا وطباع جنسنا أننا لا نسلّم ضيفنا ولا نزيلنا ولا من استجار بنا لأحد. وإن كنت ما تصدّق ذلك فعندك من هم من جنسنا، سلهم يعرّفوك، فنحن لا يضام لنا نزيل، ونقري الضيف ونعامله بالجميل، وهذه جبلّتنا الغريزيّة وعادة أصلنا الأصيل؛ فإرسال القان أحمد إليك أمر مستحيل.

إنّا ذوو الفضل الغزير الوارف ... أبوابنا هي ملجأ للخائف!

نقري الضّيوف ولا يضام نزيلنا، ... شيم ورثنا فضلها عن سالف!

وكليمة تكفي الذي هو عاقل، ... والرّمز تصريحا غدا للعارف!

وقولك: إن العادة كانت جارية بين من سلف من ملوك الإسلام وملوك التتار، أنّه من هرب من جهة إلى أخرى يمسكه الملك الذي يهرب إليه ويقيّده ويجهّزه إلى الملك الذي هرب من عنده، وأن دمرداش بن جوبان لما هرب في الزمن الماضى من ملكه وجاء إلى سلطان مملكتنا المعظّمة المشرّفة، أمسكه وقيّده وأرسله إليه، فقد علمناه، وليس هذا الذي قلته وحكيته بصحيح، لأن الذي وقع واتّفق بخلافه: وهو أنّ أميرا من أمراء السلطان الملك الناصر كان يسمّى قراسنقر، هرب من عنده وراح إلى أبي سعيد فقطع رأسه، وجهّزه إلى الملك الناصر. وأما دمرداش المذكور فالملك الناصر ما أرسله إلى أبي سعيد مثل ما قلت وما مات دمرداش المذكور إلا في مصر المحروسة، فليكن ذلك في علمك ثابتا؛ وعلى كلّ حال فكلامك حجة عليك لا لك: لأنّك قد آويت شكر أحمد وأرغون السلامي وأكرمتهما وقرّبتهما، وكذلك كلّ من حضر إليك من مماليكنا ورعايانا وخدمنا من أهل مملكتنا، فلو أمسكتهم وقيّدتهم وجهّزتهم إلينا، كنت تكون صادقا في قولك، وكنت إذا طلبت منا أحدا ما تلام على طلبه، فكيف وأنت البادي والمعتمدي؟ فهذا الكلام كلّه شاهد عليك لا لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>