فجاء مضمّخا بالخلوق. وأشقر قد كشف البرق عذاره، وأطار الرّكض منه شراره؛ ومعها كلّ فيل كأنّه غمام تبدّى، أو ملك مفدّى، بخرطوم يرتدّ كالصّولجان، ويمتدّ كالأفعوان، ويهول منظره كأنه من تمام الخلق بنيان، ويتحرّك فتحسبه كمّ راقصة تشير به إلى النّدمان؛ تقشعرّ منها الجلود، وتقتل نفسها بنيران الحقد محافظة على عهود الهنود؛ كم أحسنت بخراطيمها لها من صدورها الضيّقة مخرجا، وأضاءت فروجها بين أنيابها طرّة صبح تحت أذيال الدّجى؛ وزرافة، لها إنافة، كأنّها شفق بينه نجوم، أو بروق تكلّلت بقطر الغيوم؛ لها في المدخل على القلوب حذاقة، وولوج من باب ودخول من طاقة. وحمارة وحشيّة جاءت بوصف الرّبيع في اعتدال الليل والنّهار، وجمعت الهالات والأقمار، ودلّت على أصل كريم تفتّحت في فروعه الأزهار، وحكت بخطوطها الدّوح مما تراكم ظلّه فأظلم وانفرج فأنار. ونمر يؤلف على نفاره، ويسبح ليله في أنهار نهاره؛ يتدفّق في مثل أنبوب القناة المضطمر «١» ، ويصدّق من شبّه ركود الرّبا على الرّمال بقطعة من جلدة النّمر. وقطّ الزّباد «٢» الذي لا تحكيه الأسود في صورها، ولا تسمح غزلان المسك بما يخزنه من عرفه «٣» الطيّب في سررها؛ كم تنقّل في بيوت وطابت موطنا، ومشى من دار أصحابه فقالوا: ربّنا عجّل لنا قطّنا؛ وكذلك من الطّيب، ما يطيب، وما يزور بنفحه الحبيب؛ قد بعث أكبره، وأفاد أكثره، واستخدم المتنعّمون به صندله وكافوره وعنبره. وغير هذه الأنواع مما جاد بإرساله، وأتى من كلّ بديع به وبأمثاله؛ فقوبلت بالقبول هذه التّحف، وأكرمت إكرام من لها عرف و [بها] اعترف؛ وحمد سحابه الذي تسرّعت مواطره، وبعثت من طرفها بالروض وما تنوء عنه أزاهره، وشرعت بما اتّصلت بمصر أوائله وباليمن أواخره؛ والله تعالى يشكر هممه التي تعالت، وشيمه العلويّة التي لأجلها المحامد قد توالت. وقد جهّزنا له