فأما ما ذكره المقام العالي من أمر الوالدة المقدّس صفيحها «١» المغمور بالرحمة ضريحها؛ وما كانت عزمت عليه من قصد مبرور؛ وتجارة لن تبور، وأمّ إلى البيت الآمن والحرم المعمور، وما فاجأها من الأجل، وعاجلها من أمر الله عزّ وجلّ؛ فالمقام أجزل الله ثوابه يتحقّق أنّ النيّة في الأجور أبلغ من العمل، وأنه من أجاب داعي الحمام فلا تقصير في فعله ولا خلل؛ والله نسأل أن يكتب لها ما نوته من خير، وأن يطيف روحها الزكية ببيته المعمور في جنّات عدن كما أطاف أرواح الشهداء في حواصل ذلك الطّير.
وكنّا نودّ أن لو قدمت ليتلقّاها منّا زائد الإكرام، ويوافي مضاربها وافد الاحتفال والاهتمام، ونستجلب دعواتها الخالصة الصالحة، وتظفر هي من مشاهدة الحرم المعظّم والمثوى المكرّم والبيت المقدّس بالصّفقة الرابحة. على أنّه من ورد من تلقائكم قابلناه من جميل الوفادة بما به يليق، وتقدّمنا بمعاملته بما هو به حقيق، ويسّرنا له السبيل وهديناه الطريق، وأبلغناه في حرز السلامة مع ركبنا الشريف أمله من قضاء المناسك والتّطواف بالبيت العتيق.
وأمّا ما أشار إليه من أمر من كان «بتلمسان» وأنه ممن لا يعرف مواقع الإحسان، وما وصفه المقام العالي من أحوال ليس الخبر فيها كالعيان، وأنه اعتدى على من يتاخمه من الملوك، وخرج عن القصد فيما اعتمده من ذلك السّلوك؛ حتّى أن ملك تونس أرسل إلى المقام ابنه ووزيره، وسأله أن يكون ظهيره على الحق ونصيره، وأن المقام العالي أرسل إلى ذلك الشّخص منكرا اعتماده، طالبا إصلاحه لا إفساده؛ راجيا أن يكون ممن تنفعه الذّكرى، ظانّا أنه ممّن يأبى أن يقال له: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً
«٢» وأنه بعد ذلك تمادى على غيّه، وأراد أن يذوق طعم الموت في حيّه، وأبى الظالم إلا نفورا، وذكر الملك عنه أنه قتل أباه بعد أن آتاه الله به نعمة وملكا كبيرا. وأن المقام العالي أتاه نبأ عن أخيه المقيم