للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرفا، إلى أن أخذوه في جماعة من بني أبيه، وشرذمة قليلة ممّن كانت تخالصه في الشدائد وتوافيه، وأن المقام العالي بعد ذلك سيّر مطارف العدل في الرعيّة، وأقرّ أحوالهم في عدم التعرّض إلى الأموال والذّرّية، على ما هو المسنون في قتال البغاة من الأمور الشرعيّة. وفهمنا جميع ما شرحه في هذا الفصل، وما أخبر به من هذا الظّفر الذي ابيضّ به وجه الفتح وإن كان قد احمرّ به صدر النصل؛ والله تعالى يزيد ملكه رقيّا، ويجزيه لقبول النّعم لقيّا، ويجعله دائما كوصفه مظفّرا وكاسمه عليّا. وأن المقام العالي لما فرغ وجهه من هذه الوجهة، وحاز هذا الملك الذي لم يحز آباؤه كنهه، عاد إلى المهمّ الذي قدم فيه سلطان الأندلس لأنه أبدى ما المسلمون فيه من محاورة الأذى، ومجاورة العدا؛ وقرب المسافة بين هذين العدوّين كالشّجا، وفي عيونهم كالقذى. وأنه ثوى به من الطّغاة من أسدل على المسلمين أردية الرّدى، وأنه على جانب البحر المعروف بالزّقاق «١» ، وبه قطّان يمنعون الإرفاد والإرفاق، ويصدّون عن السبيل من قصد سلوكه من الرفاق. وأن البرّ أيضا مملوء منهم بصقور صائده، وعلوج مكايده، وكفّار معانده، وفجّار على السّوء متعاضده، والبحر مشحون بغربان طائرة بأجنحة القلوع طارده، صادرة بالموت وارده، جارية في فلك البحر كالأعلام إلا أنّها بالإعلام بالخبر شاهده، تتخطّف كلّ آمّ وقاصد، وتقعد لأهل الإيمان بالمراصد، وتدني الموت الأحمر، ممن ركب البحر الأخضر، وتمنع السالك، إلا أن يكون من أهل الضّلال الحالك، من بني الأصفر.

وأنّ المقام العالي عند ذلك قام لله وغار، وأنجد جنوده في طلب الثار من أهل النار وأغار، وأنجد قاصد حرمه ببعوث كرمه وأعار، وأرسل عقبان فرسانه محلّقة إلى ذلك الجبل الشّامخ الذّرى وأطار، إلى أن أحاطت بهم جنوده إحاطة الآساد بالفرائس لا إحاطة الهالات بالأقمار، فما منهم إلّا من أعمل على العدا

<<  <  ج: ص:  >  >>