رحى المنون وأدار، وسار وناعي البين يقدمه إلى أين سار؛ وقدّم عليهم ولده «١» الميمون النّقيبة، الممنوح غربه من مواقع النصر بكلّ غريبة، الجاري على سنن آبائه الكرام، المظفّر أنّى سرى الممدوح حيث أقام. وأنه مزّق «٢» جموعهم الكثيفة، وهدم معاقلهم المنيفة، واستدنى منهم القاصي، واستنزل العاصي، وأخذ بالأقدام والنّواصي، وأحلّ العذاب والنّكال، بمن يستحقّه من أهل الإلحاد والمعاصى، وقرن بين الأرواح والآجال، وأذكرهم بهذا النصر أيّام ابن نصر وأعاد، وأثبت لهذا الجبل حقيقة اسم المدح «٣» ، واستقرّ في صحائف فعله المقام إلى آخر هذا المنح.
وعلمنا أيضا ما اعتمده الطاغي المغتال لعنه الله من الحضور بنفسه، وجمعه الملحدين من أبناء خدمته والمارقين من جنسه. وأنّه أعظم هذا الأمر وأكبر، وأيدى الزفير لهذا المصاب وأظهر، وأقسم بمعبوده المصوّر وصليبه المكسّر، أن لا يعود إلا بعد أن يظفر بما سلبه الحقّ إيّاه وتبصّر؛ فأبى الله والمؤمنون أن تكون النّيّة إلا خائبة، وقضت سعادة الإسلام أن تكون الأيّام لما عقده من الطّويّة الرّديّة ناكبة؛ فلمّا طال عليه الأمد وحان الحين، عاد صفر اليدين ولكن بخفّي حنين، ناكصا على عقبه، خاسئا لسوء منقلبه، وأسرع إلى مقرّ طاغوته