شدّها، وبالغت في السّبوغ «١» فاتّصفت بصفات الكرام، وضاقت عينها فمنعت شبحا حتّى ذباب السّهام. ووضع على رأسه بيضة «٢» يخطف الأبصار وميض برقها، وتزلق السّهام الراشقة صلابة طرقها؛ وترفعها الأبطال على الرؤوس فلا ترى أنها قامت ببعض حقّها. وتقلّد سيفا يمضي على الرقاب نافذ حكمه، ويقضي بانقضاء الأجل انقضاض نجمه، لا ينبو عن ضريبة فيردّ، ولا يقف حدّه في القطع عند حدّ. واعتقل رمحا يجري الدماء سنانه بأنابيبه، ويمدّ إلى الفارس باعه الطويل فيأخذ بتلابيبه، وتتمسّك المنايا بأسبابه فتتعلّق منه بالأذيال، وتضرّس الحرب بزرق أنيابه كأنها أنياب أغوال. وتنكّب قوسا موعز الآجال هلال هلالها، ومورد المنون إرسال نبالها؛ ومدرك الثار رنّة وترها، وموقد نار الحرب قدح شررها، قد اقترن بها سهام تسابق الريح في سرعتها، وتعاجل الموت بصرعتها، وتختطف العيون في ممرّها، وتختلس النفوس من مقرّها؛ تدخل هجما كلّ محتجب، وتأتي الحذر من حيث لا يحتسب. وتناول عمودا يهجم على الأضالع بأضلاعه فيفدغها، ويصافح الرّؤوس بكفّه الملتحمة الأصابع فيدمغها؛ يقرّب من الأجل كلّ بعيد، ويخلق من العمر كلّ جديد، ولا يقاومه في الدّفاع بيضة وأنّى تقاوم البيضة زبرة «٣» من حديد.
وتحرّكنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر، ولا يلحقها هصر، ولا يظنّ بها على كثرة الأعداد كسر؛ ولم نزل نحثّ السير، ونسرع الحركة للقاء العدوّ إسراع الطير، حتّى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها، مستمطرين النصر في أوائل حركتنا وأواخرها؛ وانضمّ إلينا من عساكر الشام وعربانها، وتركمانها الزائدة على العدّ وعشرانها، مالا ينقطع له مدد، ولا يدخل تحت حصر