وتهللت بالبشر سعوده، وشهد بصدق المحبة الصادقة شهوده، وطلع من الجانب الغربيّ هلاله فلاحت بالمشرق بحسن التلقّي سعوده؛ فقرّ منه برؤيته الناظر، وابتهج بموافاته الخاطر، ولاحت من جوانبه لوائح البشر فأحسن تلقّيه سلطاننا الناصر.
وقابلناه من القبول بما كاد باطنه لكمال الموافاة يكون عنوانا للظاهر، وفضضنا ختامه المصون عن بديع كلام مخترع، وبنات فكر قبله لم تفترع، وفصاحة قد أحكم اللّسن مبانيها، وبلاغة تناسبت ألفاظها فكانت قوالب لمعانيها، وبراعة قد أحسنت البديهة ترتيبها فجاءت وتواليها تتبع هواديها؛ وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشّغاف، وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف؛ وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتدا، وما كان من الواقعة التي كان خبرها لفظاعته يكون كالمبتدا.
ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضّح له أنّ ما وقع من هذه القصّة لم يكن عن سوء تدبير، ونورد عليه من بيان السبب ما يحقّق عنده أنّ ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير، بل لأمر قدّر في الأزل، ومقدور الله تعالى لا يدفع بالحيل.
وذلك أنه لما اتّصل بمسامعنا الشريفة قصد العدوّ إلى جهتنا، وتجاوزه حدّ بلاده إلى أطراف مملكتنا؛ بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب، وجيوش يضيق عن وسعها الفضاء الرّحب؛ من كل بطل عركته الحروب، وثقّفته الخطوب، وحنّكته التّجارب، وعجم عوده بكثرة المنازلات قراع الكتائب. قد امتطى طرفا «١» عربيّ الأصل كريم الحسب، خالص العتق صريح النّسب؛ يفوت الطّرف مدى باعه المديد، ويسبق حافره موقع بصره الحديد. ولبس درعا قد أحكم سردها، وأبرم