به فيها غوامر المحن، فسلكا مسلك أسلافهما في إذاعة المهادنة، والرّوغان عن الإعلان بالمفاتنة.
ولما سوّل الشيطان لهذا العاقّ قتل والده، والاستيلاء على طارفه وتالده، لم يقدّم «١» عملا على إشخاص إرساله بحضرة مولانا المقدّس أبي سعيد، قدّس الله مثواه، وجعل الجنة مأواه، في السّلم راغبا، وللحكم بموادعته طالبا، فاقتضى النظر المصلحيّ حينئذ موافقته في غرضه، وإن كان باطنه على مرضه، فقوي أمره، وضري ضرّه، وشري شرّه، ووقد تحت الرّماد جمره، وسرى إلى بلاد جيرانه الموحّدين داؤه، وطال عليهم تضييقه واعتداؤه، واستشعر ضعفهم عن مدافعته، ووهنهم عن مقاومته ومنازعته، فبغى وطغى، ولم يدر أنّ من فوقه سقب «٢» السماء رغا، وباطن جماعة من عرب أفريقيّة المفسدين وجرّوه بحبل الأطماع إليها، وأقام على بجاية «٣» عشرين سنة يشدّ على بجاية «٤» الحصار، ويشنّ على أحواز تونس الغار، حتّى كان من هزيمة جيشه لصاحبها ما كان، بممالأة منهم ومن غيرهم من وراتيه (؟) كابن اللّحياني، وابن الشهيد، وابن عمران، فأدّى ذلك صاحبها السلطان أبا يحيى أعزّه الله تعالى أن بعث إلينا وزيره في طلب النّصرة رسولا، وأوفد علينا أعزّ ولده أبا زكريّا في إذهاب المضرّة عنه دخيلا، فخاطبنا إذ ذاك هذا الخائن العاقّ مبصّرين، وبقوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما
«٥» مذكّرين، فما زادته الموعظة إلّا أشرا، ولا أفادته التذكرة إلّا