من المغارم، وهاد من المكارم، فانشرحت صدورهم، وصلحت أمورهم.
والحمد لله الذي ثلّ محالّ الباغين ومجالهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وأخذهم بما احتقبوا من المآثم، واكتسبوا من الجرائم واستحلّوا من المحارم، وأباحوا من المسكرات، وأذاعوا من المنكرات، وطالما أصبح ربعهم معدن الفسوق، وموطن العقوق، ومقطن إضاعة الحقوق، لا سيّما في أيام المسرور بهناته، المغرور بما سوّل له الشيطان وأملى له من ترّهاته، المشهور بقتل أبيه، المأثور من مثالبه ومعايبه بما لم يأت الدّهر له بشبيه، ولقد طبّقت الآفاق معاصيه، وبلغت أخبار خيانته من بأطراف المعمور وأقاصيه، ولكنّ الله تعالى أملى له ليكثّر مآثمه، حتّى إذا شاء أخذه أخذ القرى وهي ظالمة.
والحمد لله الذي طهّر بأيدينا هذه الأرجاء من أرجاسه، ورحض «١» عنها بأيدينا أوضار أدناسه وأنجاسه، وأتاح لأهلها بهلاك هذا المريد المراد، وأراح منه ومن شيعته البلاد والعباد، ولو لم «٢» يكن إلّا ما نال الحجّاج من تعنّيه وتعدّيه، وطال عليهم من تعرّضه لهم وتصدّيه، حتّى حجز عن الحجاز الشريف قصّاده، وحجر بقطع السبيل عن بيت الله الحرام من أراده، فكم سلب الحجّاج، وسدّ عليهم المسالك والفجاج، وفرّق فريقهم، وعوّق طريقهم. والآن بحمد الله حقّت الحقائق، وارتفعت العوائق، وصحّ العليل، ووضح السبيل، وتسهّل المرام، وتيسّر القصد إلى البيت الحرام، مكان ترده الزّوّار عليكم أرسالا، ووفود الأبرار للسّلم خفافا وثقالا، يأتون من كلّ فجّ عميق، ويقضون ما يقضون من مناسكهم، آمنين في مسالكهم، إلى البيت العتيق، وهكذا أيضا خلا وجهنا لجهاد الرّوم، ولإعداد من يغزونهم في عقر دارهم للقصد المروم، وأن نجدّد من هذا العمل بجزيرة الأندلس حماها الله تعالى ما لسلفنا بها سلف، ونبدّد من شمل عبّاد الصليب ما لخلفهم بفضل الله تعالى خير خلف، فعمل الجهاد، بهذه البلاد، هو