ويخاطبهم بما يرهف عزائمهم في نصرة الدين وكافّة المسلمين، واتّباع سبيل السّلف الصالحين، الذين خصّهم الله تعالى بصدق الضّمائر، ونفاذ البصائر، وصحّة الدين، ووثاقة اليقين، فلم يكونوا ليروموا مراما إلّا سهّل لهم ما توعّر، ويسّر عليهم ما تعسّر، وسما بهم إلى ما هو أقصى منه مرمى وأبعد مدى، رغبة فيما رغّبهم فيه من نصرته، وتعرّضا لما عرّضهم له من جزيل مثوبته، وأن يحضّهم على التمسك بعزائم الدين، والعمل على بصائر المخلصين، وافتراض ما فرض الله عليهم من جهاد أعدائه، وتنجيز ما وعدهم به من الإظفار بهم والإظهار عليهم، وأن يجاهدوا مستنصرين، ويؤدّوا الحقّ محتسبين، ويقدموا رسلا لا ناكصين ولا شاكّين ولا مرتابين، متّبعين الحقّ حيث يمم وقصد، ومضاربين دونه من صدّ عنه وعند، ويبالغ في تنخية أهل البسالة والنّجدة، والبأس والشّدّة، ويبعثهم على نصر حقّهم وطاعة خالقهم، والفوز بدرك الثواب والرّضوان، وتنوّر البصائر في الإيمان، وفضيله الأنف من الضّيم، والبعد من الذّيم «١» ، إلى غير هذا مما يعدل الأرواح والمهج، والإقدام على مصارع التّلف. فإن الملوك الماضين- لعلمهم بأن الناس إنما يجودون بذلك للفوائد التي توجبه- كانوا يبذلون لمن يدعونه إلى المكافحة، ويعرّضونه للمذابحة، الرغائب التي تهوّن عليهم إلقاء نفوسهم في المهالك تارة، ويذكّرونهم الأحقاد والضغائن ويخوّفونهم من الوقوع في المذلّة أخرى.
ثم قال: وينبغي للكاتب أن يقدّم في هذه الكتب مقدّمات، يرتبها على ترتيب يهزّ الأريحيّات، ويشحذ العزائم، ليجمع بين خدمة سلطانه والفوز بنصيب من الأجر.
قلت: وهذا الصّنف من المكاتبات السلطانيات مستمرّ الحكم إلى زماننا.
فما زالت الملوك يكتبون إلى ما يليهم بالحثّ على الجهاد، والقيام بأوامره، والحضّ على ملاقاة العدوّ، والأخذ بنصرة الدين. وقد تقدّم في الكلام على