مقدّمات المكاتبات في أوّل هذه المقالة، أن الشّيخ شهاب الدين محمودا الحلبي ذكر في «حسن التوسل» أنه إذا كتب عن الملك في أوقات حركات العدوّ إلى أهل الثغور، يعلمهم بالحركة للقاء عدوّهم، أنّه يبسط القول في وصف العزائم، وقوّة الهمم، وشدّة الحميّة للدّين، وكثرة العساكر والجيوش، وسرعة الحركة، وطيّ المراحل، ومعاجلة العدوّ، وتخيّل أسباب النّصر، والوثوق بعوائد الله في الظّفر، وتقوية القلوب منهم، وبسط آمالهم، وحثّهم على التّيقّظ، وحضّهم على حفظ ما بأيديهم من ذلك وما أشبهه. وأنه يبرز ذلك في أبين كلام وأجلّه، وأمكنه وأقربه من القوّة والبسالة، وأبعده من اللّين والرّقّة، ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييده والرجوع إليه في تثبيت الأقدام، والاعتصام به في الصّبر، والاستعانة به على العدوّ، والرّغبة إليه في خذلانهم، وزلزلة أقدامهم، وجعل الدائرة عليهم، دون التصريح بسؤال بطلان حركتهم، ورجاء تأخيرهم، وانتظار العرضيّات في تخلّفهم، لما في ذلك من إيهام الضّعف عن لقائهم، واستشعار الوهن والخوف منهم، وأن زيادة البسط ونقصها في ذلك بحسب المكتوب إليه.
وهذه نسخة مكاتبة من ذلك عن السلطان إلى بعض نوّاب الثّغور، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود «١» الحلبيّ، أوردها في «حسن التوسل» وهي:
أصدرناها ومنادي النّصر «٢» قد أعلن بياخيل الله اركبي، ويا ملائكة الرحمن اصحبي، ويا وفود الظّفر والتأييد اقربي، والعزائم قد ركضت على سوابق الرّكض إلى العدا، والهمم قد نهضت إلى عدوّ الإسلام فلو كان في مطلع الشمس لا ستقربت ما بينها وبينه من المدى، والسّيوف قد أنفت من الغمود فكادت تنفر من قربها، والأسنّة قد ظمئت إلى موارد القلوب فتشوّفت إلى الارتواء من قلبها، والكماة قد زأرت كاللّيوث إذا دنت فرائسها، والجياد قد مرحت لما عوّدتها من