لاعتقاد الأباطيل، مزيّنا بغيّه اتّباع الأضاليل، صارفا بمكره عن سواء السبيل، مصوّرا للحق في صورة المين «١» ، مغطّيا على القلوب بشغاف الرّين «٢» ، والحازم اليقظ من تحرّز من أشراكه وحبائله، وتحفّظ من مخايله وغوائله، واتّهم هواجس فكره، واستراب بوساوس صدره، وعرض ما يعرض له على عقله، وكرّر فيه النظر متحرّزا من مكر الشيطان وختله، فإن ألفاه عادلا عن الهوى، مائلا إلى التقوى، بريئا من خدع الشيطان، آمنا من عوادي الافتتان، أمضاه واثقا بسلامة مغبّته وعاقبته، وشمول الأمن في أولاه وأخراه.
وانتهى إلى أمير المؤمنين أن الشيطان المريد استخفّ أحلام جماعة من جهّالكم، واستولى على أفهام عدّة من أراذلكم، وحسّن لهم شقّ عصا الإسلام، ومعصية الإمام، ومفارقة الجماعة، والانسلاخ من الطاعة التي فرضها الله تعالى على الجمهور، وجعلها نظام الأمور، فقال جلّ قائلا: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
«٣»
واختيار الفرقة التي نهى الله عنها.
فقال: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات «٤»
ومجانبة الألفة التي عدّها في جلائل نعمه، فقال ممتنّا بها على عباده: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا «٥»
وسوّل لهم التّعرّي من آداب الدين، والمجاهرة بالخلاف على أمير المؤمنين، فنبذوا ما بأيديهم من بيعته، وسلبوا من ظلّ دعوته، وركبوا من ذلك أوعر المراكب، وسلكوا أخشن المسارب، وسعوا في البلاد بالفساد، وقاموا في وجه الحقّ بالعناد، واستخفّوا بحمل الآثام، وبسطوا أيديهم إلى الدّماء الحرام، وشنّوا