وقد علمتم أن من أقدم على تأثير مثل هذه الآثار، فقد استنزل في هذه الدار سخط الجبّار، وتبوّأ في الآخرة مقعده من النار، وجرى على غير الواجب في إقامة الفروض والصّلوات، وتأدية العبادات والزّكوات، وعقد العقود والمناكحات؛ لأن هذه الأحوال إنّما ترضى وترفع، وتجاب وتسمع، إذا تولّاها أمير المؤمنين، أو من يستخلفه من صلحاء المسلمين، فأما إذا استبددتم فيها بأنفسكم، واقتديتم في تأديتها بناكب عن سبيله، مجانب لدليله، فقد تسكّعتم في الضلالة، وتطابقتم على الجهالة، وكلّ راض منكم بذلك، عاص لله ورسوله وللإمام.
ولما اطّلع أمير المؤمنين على ما ذهبتم إليه بسوء الاختيار، وركبتموه من مراكب الاغترار، لم ير أن يلغيكم ويهجركم، ويغفلكم ولا يبصّركم، فقدّم مكاتبتكم معذرا منذرا، ومخوّفا محذّرا، وبدأكم بوعظه مشفقا عليكم من زلّة القدم، وموقف النّدم، وجاذبا لكم عن مضالّ الغواية، إلى مراشد الهداية، وافتتحكم باللّفظ الأحسن، والقول الألين، وهداكم إلى السبيل الأوضح، والمتجر الأربح، واختار أن يهديكم الله تعالى إلى طريق الرشاد، ويدلّكم على مقاصد السّداد، ويعيدكم إلى الأولى، ويبعثكم على الطريقة المثلى، وأن تعرفوا الحقّ فتعتصموا في أيديكم من بيعته، وتقوموا بما فرض عليكم من طاعته، وترجعوا إلى إجماع المسلمين، وما اتفقت عليه كلمة إخوانكم في الدّين، وتتّبعوا مذاهب أهل السلامة، وأولي الاستقامة، فإن وقع ما ألقاه إليكم الموقع الذي قدّره فيكم، وسألتم الإقالة، فالتّوبة تنفعكم، والعفو يسعكم، وإن تماديتم في غيّكم وباطلكم، وغروركم وجهلكم، تقدّمت إليكم جيوش أمير المؤمنين مقوّمة، ومن عصاتكم منتقمة، وذلك مقام لا يتميز فيه البريء من السقيم، ولا الجاهل من العليم، ألا تسمعون الله تعالى يقول: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة «١»