والله تعالى يوفّقه لتحقيقه النّظر في هذه الأقسام الأربعة، التي أحذرها عليه، وأحذّره منها، وييسّره لليسرى.
وبعد ذلك فأنا أنصفه من نفسي، وأقول الحقّ: إن نفسا ربّاها خليفة الله في أرضه- صلوات الله عليه وسلامه- بإنعامه، وأعلى همّتها باختصاصه، وشرّفها بنسب عبوديّته، لا تحتمل الهوان، ولا تقرّ على الابتذال، فغالب ظنّي أنّ نفوره بسعادته إنما هو من ديوان الزّمام المعمور. والآن فأنا وهو بسعادته عبدان، ولكنّي أنفرد عنه بالسّنّ والتّجريب، وطريقتي هو بسعادته يعرفها، وإنّني لا أدّخر عن أحد نصحا. فالصواب أن يقبل قولي، ويتحقق صحّة مقصدي في نصيحته ومقصده، فإني أوجب ذلك له على نفسي، وأراه من واجبات خدم مالك الرّق- صلوات الله عليه وسلامه- أيضا.
وقد علم الله تعالى أني قد أوضحت من عذره، وأحسنت المناب عنه بسعادته، ما لو حضره وتولّاه بنفسه لما زاد عليه، ورأيت الإنعام يستغني عن كلّ شرط ولا يحتاج إليه، وتقرّرت قاعدته بسعادته أن لا يكون له مع ديوان الزّمام المعمور حديث، ولا مع غيره ممّن لا يعرف حقّه، ولا من الاحترام واجبه، فإن أمر أن أتولّى وساطته فأنا أعتمد ذلك في مراضيه، وتمشية أمره أكثر ممّا في نفسه. وإن اختار بسعادته أن يكون غيري وسيطه وسفيره، فيعين من يختاره، ليكون حديثه معه. وقد أسلفت من وظائف إحسان المناب أنني تنجّزت له بسعادته أمانا متوّجا بالقلم الأشرف المقدّس، على نفسه الكريمة وماله وأولاده- والأمان المذكور طيّ كتابي هذا- مقرونا بخاتم أمان ثان، فيجب أن يكون هو بسعادته جواب ذلك. إذ لا يجوز أن يكون الجواب إلّا هو بنفسه الكريمة، فلا يشعر به أحد إلّا وهو مقابل التّاج الشريف، ملقيا نفسه بين يدي مالكها الذي هو أرحم لها، وألطف بها، وأشفق عليها منها، تاليا ما حكاه القرآن المجيد عن يونس عليه السّلام، إذ نادى وهو مكظوم: سبحانك إني كنت من الظالمين