يقنط، ولا لمسيء أن يستوحش، لا سيّما إذا أتبع الذّنب بالاستقالة والاستغفار، والاعتذار والإقلاع، وعلى الخصوص إذا كانت الخيانة عند من لا يتعاظمه عفوها، ولا يضيق حلمه عنها، فإن كلّ كبيرة توجب المخافة، تغرق في بحر عفو الخلافة، فيجب أن يقرّر بسعادته ذلك في نفسه، ويخرج سوء الظّنّ والاستشعار من خياله، فإن مثله من خلصان المماليك لا يسمح به، ولا يشغب عليه عند هفوة بادرة.
والثالث الانقباض والحياء. فإنه ربّما يقول في نفسه: بأيّ وجه ألقى مولاي؟ وبأيّ عين أبصر مواطن الدّار العزيزة؟ ربّاني وأنشاني!. وهذا أيضا لا يصلح خطوره بباله في هذا المقام، فإنّه من ضعف النّحيزة، والميل مع خوادع الطّبع، عن نصائح العقل والشّرع، فإن الحياء إتباع زلّة القدم بالنّدم والاعتذار، لا «١» التّهوّك في اللّجاج والإصرار. فقد قال بعض الملوك لخصيص من خواصّه، عصاه في شيء من أمره:«بأيّ عين تلقاني وقد عصيت أمري؟» فقال:
«بالعين التي ألقى بها ربّي في الصّلوات الخمس، وهو سبحانه يراني على فواضح المعاصي» . وقد أثنى الله سبحانه على من أذنب ثم تاب، وشرد عن طاعته ثم أناب. وبحمد الله تعالى ما جرى ما يقتضي فرط الاستشعار. هل هو إلا عبد خاف بادرة مولاه، فتنحّى من مكانه إلى أن يعطف عليه برحمته؟ وليس هذا ببديع، ولا من الصّفح ببعيد. على أنه بسعادته لو أنصف من نفسه لما استشعر.
فكم أخرجت الخزائن الشريفة عليه من الأموال حتّى نبت عرقه، وأورق غصنه، وكبر شأنه، وجميع ضمان البصرة عشر معشار ذلك.
والرابع إصغاؤه- والعياذ بالله- إلى قول من لا ينصحه، ويغويه ولا يرشده، ويتقرّب إليه بمتابعة هواه. وهذا ما لا يخفى عن لمحة النّاقث، ولا يحتاج الإعراض عنه إلى باعث، فقديما قيل:«صديقك من نهاك، وعدوّك من أغراك»