وسلّم، حين قال:«اللهمّ إنّي أعوذ بك من الحور بعد الكور» ومن يكون حضين خلافة كيف يرضى أن يكون تابع إمارة؟ ولو لم يكن ما هجم عليه إلّا هذا لكفى.
ثم لم لا يلتفت في هذه الحال التي هو عليها، التي صحبته بوفائها، ويسمع خطابها بلسان حالها ثمّ؟ تقول له: يا عماد الدين، أما هذه خيام الإنعام عليك؟ أما هذه الخيل المسوّمة تحتك؟ أما هذه ملابسه الفاخرة مفاضة عليك؟ أما هذه مماليكه حافّة بك؟ أليس الاصطناع رفع قدرك إلى المنزلة التي ثقل عليك بعض الانحطاط عنها، ووهب لك الهمة التي أبيت الضّيم بها؟ فحوشيت أن تكون ممّن تواترت عليه النعم فملّها، وتكاثرت عليه فضعف عن حملها، فياليت شعري! ماذا يكون جوابها؟ والله إنني أقول له بسعادته ولا أعقّب، ولو أنه قد تحقّق- والعياذ بالله- وقوع كلّ محذور، وحلول كلّ مكروه، لم يكن في هذه الحركة معذورا، فكيف بظنّ مرجّم، وقول مسوّف متوهّم، ورأي فطير غير مختمر. ولقد كان استسلامه لمالك الرّقّ- صلوات الله عليه وسلامه- أحسن في الدنيا وأحمد في العقبى، واقعا ذلك من أحواله حيث وقع. والآن فالوقت ضاق في إصدار هذه المكاتبة، عن استقصاء العتاب والمحاققة، وإيراد كلّ ما تلزم به الحجّة، لكنّي أقول على سبيل الجملة:
إنني أخاف على سديد ذلك الرّأي إجابة داعي الهوى، فإنّ اللّجاج من أوسع مداخل الشّيطان على الإنسان، وحوشي كماله من هذا القسم.
والثاني استشعاره بسعادته من بادرته، واستيحاشه من عجلته، وهذا أيضا من أدقّ مكايد النّفس الأمّارة بالسّوء، فإنها تؤمّن من المخوف، وتخوّف من المأمون، وتسحر العقل بالتحيّر والشّك، فلا تصحّ له عزيمة، ولا تصفو له فكرة، وهذا النّوع إذا عرض في الصّدر يجب دفعه بالنّظر إلى الحقّ وشجاعة القلب، والإخلاد إلى مناظرة النّفس، فإنّ الإنسان ليس بمعصوم، والزّلل في الرّأي ليس من أوصاف الجماد، بل من الأوصاف اللازمة للبشريّة، وليس الكمال لأحد إلا للواحد الصّمد. فإذا عرض له بسعادته هذا الاستشعار، فيدفعه عن نفسه، فليس سلطان الوسواس الخنّاس، إلّا في صدور النّاس، فلهذا لا ينبغي لمذنب أن