للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأجليّ، الكبيريّ، السّيّديّ، العماديّ، الرّكنيّ، الظّهيريّ، المحترميّ، العزّيّ، الجماليّ، أمير الجيوش، أطال الله بقاءه، وأدام علوّه ونعمته، وأنا أوقع الأقوال المتواترة، والأموال المتناصرة، مستغربا لها، متعجّبا منها، كأني أسمعها في المنام، وتخاطبني بها أضغاث أحلام، فلولا أن الأيام صحائف العجائب، ولا يأنس بمتجدّداتها إلّا من حنّكته التّجارب، لم أصدّق هذه الحركة المباركة التي وقعت منه بسعادته، فإنّي ما أراها إلّا عثرة من جواد، وعورة على كماله، وإلّا فمن أين يدخل الزّلل على ذلك الرّأي السديد، والعقل الراجح، والفكر الصائب؟ الذي يعلّم الآراء كيف تنير، ويعرّف النجوم كيف تسير، ويهدي غيره في المشكلات إلى صواب التدبير. والفائت لا كلام فيه، غير أن العقل يقضي باستدراك الممكن وتلافيه، بالانحراف عن الهوى إلى الرّأي الصادق، والرّجوع عن تأويل النفس إلى مراجعة الفكر الناضج، فالعود إلى الحق أولى من التّمادي على الباطل، وأحبّ أن تسمع ما أقول بأذن واعية وقلب حاضر، وحوشي أن تستدفعه الكواذب عن تدبّر الحقائق، وعرفان النصائح، فإنّ من القول ما هانه لا يحتاج إلى شاهد من غيره.

قبل كلّ شيء، ما الّذي أحوج إلى هذه الحال القبيحة السّمعة، وركوب الخطر في هذه الحركة، واحتمال هذه المشاقّ، والانزعاج من غير أن تدعو إليه حاجة؟ هل هو إلّا شيء جرت العادة بمثله، وبمطالبة ديوانه بما كان يندفع الأمر ببعضه كما جرت عادة الدواوين، وخدم السلاطين؟ ثم إنّه عمد- أدام الله نعمته- بأوّل خاطره، وباديء رأيه في هذه العجلة، من غير تثبت ولا رويّة. لم لا راجع فكره الكريم، ويقول لنفسه: إلى أين أمضي؟ ولمن أخدم؟ وعلى أيّ باب أقف؟

وتحت أيّ لواء أسير؟ وبأيّ غبار أكتحل؟ وفضل من أطلب؟ وعلى حكم من أنزل؟

بعد أن ربّيت في عرصة الخلافة، ودار النبوّة، وحضن المملكة، أنشأني نعيمها صغيرا، وقدّمني كبيرا، وكنت مأمورا فجعلني أميرا، وطار صيتي في الدنيا ولم أكن شيئا مذكورا، فأنا خير من ملك أقصده، وأمثل من كلّ من أرجوه وأستنجده، أفأنزل من السّماء إلى الحضيض، وأهدم ما بنى الإنعام عندي في الزمن الطويل العريض؟! هذا هو المكروه الأعظم، الذي تعوّذ منه رسول الله صلّى الله عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>