المتحاكمين، من عباده المؤمنين، وأضدادهم المفسدين الملحدين، في المداولة بينهما، والمعاقبة بين الفئتين منهما، في العجز والظّهور، والوفاء والقصور، والمعافاة والامتحان، والنّصر والخذلان، والإعلاء لراية الحقّ في حال، والإملاء للباطل في أخرى، بتضمين الخيرة لأوليائه، والدائرة على أعدائه، عاجلا بالتّمحيص لهؤلاء، وبالمحق لأولئك، بما يصل إليهم من مصيبته، وينوبهم في حاضر الدنيا من رغبته، ويحلّ العادين من المشركين دار الفاسقين، ويجعل العاقبة للمتّقين، ومن سعد بقسم من التوفيق، وحظّ من فائدة الإرشاد، فليس «١» في هذه الحالة بزيادة أنصار وعدّة، وفضل عتاد وعدّة، وبسالة ونجدة، وأيد وقوّة، وسعة وبسطة، ولا يعدو أن يسلّم لله تعالى قاضيا له وعليه، ويوفّى بإحدى الحسنيين من علوّه، أو غلبة عدوّه؛ أو يتوكل عليه، وهو حسبه منعما، وممتحنا ومعافيا ومسلّما، ونعم الوكيل.
قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل بين الكتّاب، دائر في مصطلحاتهم إلى الآن. وللشّيخ شهاب الدين محمود «٢» الحلبيّ في ذلك تفنّنات كثيرة، أورد بعضها في كتابه «حسن التّوسّل» .
فمن ذلك. ما أنشأه فيمن هزم هو وجيشه، يتضمّن إقامة عذره، ووصف اجتهاده، ويحثّ على معاودة عدوّه، والطّلب بثاره، وهو:
هذه المكاتبة إلى فلان: لا زال مأمون الغرّة، مأمول الكرّة، مجتنيا حلو الظّفر من أكمام تلك المرّة المرّة، راجيا من عواقب الصّبر أن يسفر له مساء تلك المساءة عن صبح المسرّة، واثقا من عوائد نصر الله بإعادته ومن معه في [القوّة و]«٣» الاستظهار كما بدأهم أوّل مرّة.
أصدرناها وقد اتّصل بنا نبأ ذلك المقام الذي أوضحت فيه السيوف عذرها،