ولا زال يروى عنه وإليه حديث الوفاء والنّدا، ويورد على سمعه الكريم نبأ الخصب الذي صفا موردا، ويهنّى بكلّ نعمة تكفّلت للرعايا بمضاعفة الجود ومرادفة الجدا، ويخصّ بكلّ منّة عمّت مواهبها الأنام فلن تنسى أحدا.
صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي، وبحر كرمها لا ينتهي إلى مدى، وبشر بشراها دائم أبدا، تهدي إليه سلاما مؤكّدا، وثناء أضحى به الشّكر مردّدا، وتوضّح لعلمه الكريم أن الله تعالى قد أجرى على جميل عاداته، وأراد بالأمّة من الخير ما هو المألوف من إراداته، ومنح مزيد النّعم التي لم تزل تعهد من زياداته، فأسدى معروفه المعروف إلى خلقه، وأيّدهم بما يكون سببا لمادّة عطائه ورزقه، فبلّغهم تأميلهم، وأجرى نيلهم، وزادهم بسطة في الأرض، وملأ به الملا وطبّق به البلاد طولها والعرض، ونشر على الخافقين لواء خصبه، وأتى بعسكرريّه لقتل المحل وجدبه، وبينما هو في القاع إذ بلغ بإذن ربّه، فجعل من الذّهب لباسه، وعطّر بالشّذا أنفاسه، ولم يترك خلال قطر إلّا جاءه فجاسه، ونصّ السّير فسيّر نصّ مجيئه في الأرض لمّا صحّح بالوفاء قياسه، وغازلته الشمس فكسته حمرة أصيلها لما غدت له بمشاهدتها ماسه، ولم يكن في هذا العام إلّا بمقدار ما قيل: أقبل إذ قيل: وفّى، ومدّ في الزيادة باعا وبسط ذراعا، وأطلق بمواهب أصابعه كفّا، وعاجل إدراك الهرم في ابتداء أمره مطال شبابه، ومرّ على الأرض فحلا في الأفواه لمّا ساغ شكر سائغ شرابه، واعتمد على نصّ الكتاب العزيز فكاد أن يدخل كلّ بيت من بابه.
ولما كان يوم كذا من شهر كذا الموافق لكذا من شهور القبط بادرت إلى الوفاء شيمه، وأغنت أمواجه عن منّة السّحب فذمّت عندها ديمه، وزار البلاد منه أجلّ ضيف فرشت له صفحة خدّها للقرى فعمّها كرمه، وبلغ من الأذرع ستة عشر ذراعا ورفع لواءه بالمزيد ونشر، وجاء للبشر بأنواع البشر، فرسمنا بتعليق ستر مقياسه، وتخليقه وتضويع أنفاسه، وفي صبيحة اليوم المذكور كسر سدّ خليجه على العادة، وبلغ الأنام أقصى الإرادة، وتباشر بذلك العامّ والخاصّ، وأعلنت الألسنة بحمد ربّها بالإخلاص، وسطّرها وهو بفضل الله ورحمته متتابع المزيد،