أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمر لم يحتمله لك، إلّا ما أحبّ من ربّ صنيعته قبلك، واستتمام معروفه إليك، وكان أمير المؤمنين أحقّ من أصلح ما فسد منك، وإنّك إن عدت لمثل مقالتك، وما بلغ أمير المؤمنين عنك، رأى في معاجلتك رأيه، فإن النّعمة إذا طالت بالعبد ممتدّة أبطرته، فأساء حمل الكرامة، واستثقل العافية، ونسب ما هو فيه إلى حيلته، وحسن نبته ورهطه وعشيرته، وإذا نزلت به الغير، وانكشفت عماية العشى عنه، ذلّ منقادا، وندم حسيرا، وتمكّن منه عدوّه، قادرا عليه، وقاهرا له. ولو أراد أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك، ومعاجلة إفسادك، جمع بينه وبين من شهد فلتات خطئك وعظيم زلّتك، ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظك في مجلسك، وجحودك فضله عليك، لردّك إلى ما كنت عليه، ولكنت مستحقّا.
وفي مثله: فإن صاحب البريد كتب إليّ عن أصحابك بكذا، فقلت: إنهم لم يقدموا على ما أقدموا عليه حتّى عجموك، فعرفوا خور عودك، وضعف مكسرك ومهانة نفسك، وأنّه لا غير عندك ولا نكير.
ومن ذلك الذّمّ على الخطأ، كما كتب أحمد «١» بن يوسف:
كأنّ البخل والشّؤم صارا معا في سهمه، وكانا قبل ذلك في قسمه، فحازهما لوارثه، واستحقّ ما استملك منهما بالشّفعة، وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة حتّى خلصا له من كلّ ممانع، وسلما له من تبعة كلّ منازع، فهو لا يصيب إلّا مخطئا، ولا يحسن إلّا ناسيا، ولا ينفق إلّا كارها، ولا ينصف إلّا صاغرا.