وردت كتبه الشريفة من الشأم إلى الديار المصريّة بالقبض على النّاصر فرج بن الظاهر برقوق بالشّأم، واستبداده بالأمر دون سلطان معه، في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة، مفتتحا له ب «يقبّل الأرض» التي يكاتب بها الملوك. وإن كان قد تقدّم من كلام المقرّ الشّهابيّ بن فضل الله أن المكاتبة إلى أبواب الخلافة بالدعاء للديوان، لا يختلف فيه ملك ولا سوقة، وهو:
يقبّل الأرض وينهي ورود المثال الأشرف الميمون طائره، المرقوم على صفحات الأفلاك تهانيه المحمول على متن السّحاب بشائره، الشّاهد بالفتح المبين أوائله وبالنّصر العزيز أواخره، متضمّنا ما منّ الله تعالى به من جميل الصّنع الذي وكفت بالخير سحائبه، وخفيّ اللّطف الذي بهرت العقول عجائبه، بما منح الله تعالى به مولانا أمير المؤمنين مدّ الله تعالى على الإسلام وارف ظلّه، وأنام الأنام بمدّ رواق الإمامة المعظمة في مهاد عدله، ومكّن له في الأرض كما مكّن لآبائه الخلفاء الراشدين من قبله، من جلوسه على سدّة الخلافة المقدّسة التي وصل منقطع حديثها بإسناده، وحاز منها بأشرف مقعد تراث آبائه الكرام وأجداده، وابتسم ثغر الخلافة بعبّاسه، وتآنس منها جانب الدّين بعد الاستيحاش بإيناسه، فقبّل المملوك له الأرض خاضعا، ولبّى أوامره الشّريفة ضارعا، وأجاب داعيه بالامتثال سامعا طائعا، وسجد سجود الشّكر لذلك فعرف بسيماه، وانتسب إلى الولاء الشّريف الإماميّ انتسابا شاملا لاسمه ومعناه، وأعلم من قبله من الأمراء والأجناد بذلك فقابلوه بالاستبشار طرّا، وتلقوها تلقّيا يليق بمثلها وإن كان لا مثل لهذه البشرى، وقرئت المطلقات الشريفة على المنابر فسكنت الدّهماء وقرّت، وسرت ألفاظها إلى الأسماع الشّيّقة فسرّت، وكرّرت ألفاظها العذبة مرارا فحلت لدى النفوس إذ مرّت، وارتفعت الأصوات بالدعاء بدوام هذه الدّولة النّبويّة دواما لا يستشعر مستشعر خلافه، فحقيق ظهور معجزة أكرم مرسل بعد الثمانمائة بقوله لعمّه العباس:«ألا أبشّرك يا عمّ، بي ختمت النّبوّة وبولدك تختم الخلافة» .