وتباين طبقاتهم، وتفاوت حالاتهم، في مقابلة نعمة سيّدنا التي أعشى العيون بهاؤها، وتأدية حقوقه التي أعيا المجتهدين قضاؤها، لكانت- حيث انتهت، وأنّى تصرّفت، على استفراغ القدرة واستنفاد الطاعة- غير مقاربة حدّا من حدودها، ولا مؤدّية فرضا من فروضها، وإذا كان الأمر على ذلك- أيّد الله أمير المؤمنين- في فوت الإحسان مقادير الشّكر، وإيفائه على مبالغ الوسع، فقصد عبده في جبر النّقيصة، وسدّ الخلّة، الازدياد في الطّاعة، والإخلاص في الموالاة والمشايعة، وإدامة الابتهال إلى الله تعالى، ورفع الرّغبة في معونة عبد أمير المؤمنين على مجافاة «١» بلائه، والتّفرّد بجزائه، وتجديد المسألة في إطالة بقائه، في عزّ لا تبلى جدّته، وسلطان لا تنتهي مدّته، وموادّ من مناسجه وموائده، وروادف من عوائده، متظاهرة لا ينقطع منها أوّل حتّى يلحق تاليه، ولا ينصرم سالفه حتّى ينصرف آتيه، ويكون المآل بعد استيفاء شروط الأمل، وتقضّي حدود المهل، إلى النّعيم المقيم، في جوار العزيز الكريم.
ومن تمام إفضال سيّدنا على عبده، ونظام معروفه عنده؛ بدؤه إيّاه بما يمتحن به خفّة نهضته، وسرعة حركته، وقعوده لأمره بحدّ حديد، وبعيش عتيد، وصمده لما يحظيه لذلك مولاه، ويحوز له حمده ورضاه، بصدق بصيرة، وخلوص سريرة، واستسهال لكلّ خطّة، وتجشّم لكلّ مشقّة، دنت المسافة أم شسعت، قربت الطّيّة أم نزحت، وسيّدنا أهل لاستتمام يد ابتداها، وإكمال عارفة أنشأها وكرامة ابتناها، باستعمال عبده بأمره ونهيه، واعتماده لمهمّاته بحضرته وفي أطراف مملكته، إن شاء الله تعالى.
قلت: وهذه نسخة كتاب أنشأته ليكتب به إلى أمير المؤمنين المستعين بالله، أبي الفضل العبّاس خليفة العصر، عن نائب الغيبة بالديار المصريّة، حين