بالعنق، ونهضت إليهم مستمدّة من عزمات سلطانها، مستعدّة لانتزاع أرواح العدا على يديها من أوطانها، فانقطعت بهم الظّنون، ودارت عليهم رحى المنون، وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون
«١» وحطّت بساحتها عقبان تلك الأحجار، فهدمت العمائر والأعمار، وأجرت في أرجائها أنهار الدّماء فهلكوا بالسّيف والنّبل والنّار، وتحكّمت هذه الثلاثة في أهل التّثليث فبدّلوا بالخوف من أمنهم، وهربوا منها إلى مخايل حصنهم.
ولما ركب الأوّل للزّحف في جيوشه التي كاثرت البحر بأمواجه، تزلزل الحصن لشدّة ركضه، وتضعضع من خوف عصيانه فلحقت سماؤه بأرضه، وتحلّلت قواعد ما شيّد من أركانه فانحلت، وألقت الأرض ما فيها وتخلّت، ومشت النّار من تحتهم وهم لا يشعرون، ونفخ في الصّور بل في السّور فإذا هم قيام ينظرون، وما كان إلّا أن قابلت العساكر ذلك البرج حتّى أهوى يلثم التّراب، وتأدّب بآداب الطاعة فخرّ راكعا وأناب، فهاجمتهم الجيوش مهاجمة الحتوف، وأسرعت المضاء والانتضاء فلم تدر العدا: أهم أم الّذين في أيمانهم السّيوف التي تسبق العذل؟ وثبت منهم من لم يجد وراءه مجالا فلجأوا إلى الأمان، وتمسّك دنيء كفرهم بعزّة الإيمان، وتشبّثوا بساحل العفو حتّى ظنّوا أنّهم أحيط بهم وجاءهم الموج من كلّ مكان، وسألونا أن يكونوا لما من جملة الصّنائع، وتضرّعوا في أن نجعل أرواحهم لسيوفنا من جملة الودائع فنتصدّق عليهم بأرواحهم كرما، وظلّوا على معنى الحديث النّبويّ: يرون الممات يقظة والحياة حلما وأطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الآمل، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض في قبضتها، فمتى تشاء تجمع عليهم الأنامل، وخرجوا بنفوس قد تجرّدت حتّى من الأجسام، ومقل طلّقت الكرا خوفا من الصّوارم التي تسلّها عليهم الأحلام، وسطّرت والمدينة قد تسنّم أعلاها، وشعار الإيمان قد جرّدها من لباس الكفر وأعراها، والأعلام قد