في مصيبة الموت الّتي سوّى بين الخليقة في تجريع صابها، واقتحام عقابها، وقد اتّصل بالمملوك خبر الحادث الفاصم لعرى الجلد، البارح «١» في الجلد، فاستحالت في عين المملوك الأحوال، ومالت عنه الآمال، ورأى السماء وقد تكدّر جوّها، والشمس وقد تعكّر ضوّها، والسّحائب وقد أخلف نوّها، والنّهار وقد اظلم، والليل وقد ادلهم، والنسيم وقد ركد، والمعين وقد جمد، والزمان وقد سهمت وجنته، وسلبت حليته، وأفرجت قبضته عن التماسك، وقبضت على التهالك، وعدلت عن التجلّد، إلى التبلّد، ثم أفاق من غمرة فجيعته، وهبيب سنة رويّته، فسلّم لله راضيا بأقضيته، راغبا في مثوبته.
أبو الفرج «٢» الببغاء:
إذا كان أيّده الله أهدى في النّعم إلى سبل الشكر، وأعرف في المحن بطرق الصبر، فكيف نحاذر عليه من المصائب، ونذكّره التسليم لمحتوم النّوائب، والمصيبة بفلان أعظم من أن نهتدي فيها إلى سلوة غير مستفادة منه، أو نقتدي في العزاء بغير ما نأخذه عنه، إذ كانت قلوبنا تبع قلبه- سرّه الله- في طروق السّراء والضّرّاء، وحالتي الشّدّة والرّخاء. وأحسن [الله] عن الفجيعة عزاءه، وأجزل من المثوبة عطاءه، ولا شغله عن حلاوة شكر النّعم بمرارة الصبر على ورود المحن، وجعل ما نقل الماضي إليه، أنفع له ولسيّدي من الجزع عليه.
وله في مثله:
اتصل بي خبر المصيبة فجدّد الحسرة، وسكب العبرة «٣» ، وأضرم الحرقة، وضاعف اللّوعة، وكان الأسف عليه، بقدر تشوّف الآمال كانت إليه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! أخذا بأمره، وتسليما لحكمه، ورضا بمواقع أقضيته،