الاخترام، ومورد البشر من المنيّة منهلا ما برحوا في رنقه «١» يكرعون، ولمرّه المشرق يتجرّعون، ومعزز ذلك بقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ
«٢» .
والحمد لله الذي نصب الأنبياء لمراشده أعلاما، وحفظ ببعثهم من الحقّ والهدى نظاما، وجعل نبوّة جدّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم، لنبوّاتهم ختاما، وعضّد بوصيّه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كمالا للدّين وإتماما، واستخلص من ذرّيتهما أئمة هادين إتقانا لصنعته وإحكاما، وأقام الحجّة على الأمم بأن أقام لكلّ زمان منهم إماما، وعاقب بين أنوار الإمامة فإذا انقبض نور انبسط نور، وتابع ظهور بدوره ليشرق طالع إثر غارب يغور، رحمة شاملة للعالمين، وحكمة تامّة حتّى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ولم يخل نبيّا مع ما شرّفه [به] من تناول وحيه وتلقّيه، ولا عصم إماما مع اختصاصه بفروع منصب الإمامة وترقّيه، من لقاء المنيّة، ووداع الأمنيّة، بل أجّل لكلّ منهم أجلا مكتوبا، وفسّح له أمدا محصورا محسوبا، لا يصرفه عن وصوله فضيلة، ولا يصل إلى تجاوزه بقوّة ولا حيلة، قدرة محكمة الأسباب، وعبرة واضحة لأولي الألباب، وقضيّة أوضحها فرقانه الذي أقرّ بإعجازه الجاحدون، إذ يقول مخاطبا لنبيه: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ
«٣» .
والحمد لله الذي منح أمير المؤمنين من خصائص الإمامة وأنوارها، وحاز له من ذخائرها وأودعه من أسرارها، ما خوّله فاخر تراثها، وأصار له شرف ميراثها، وجعله القائم بحقّه، والمرشد لخلقه، والماحي بهداه ليلا من الضّلال بهيما، والحاوي بخلافته مجدا لا يزال ثناؤه عظيما: ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ