وعمله، ولم يترك في مرضاة خالقه مشقّة إلّا احتملها، ولا رويّة إلّا صرّفها في إرشاد خلقه وأعملها، حتّى بلغ الغاية المحدودة، واستكمل الأنفاس المعدودة، وأحسن الله له الاختيار، واثر له النّقلة من هذه الدار والزّلفى «١» بسكنى دار القرار، والفوز بمصاحبة الأنبياء الأبرار، والحلول في حظائر قدسه مع آبائه الأئمّة الأطهار، فسار إليه طاهر السّريرة، جميل المذهب والصّورة، مستوجبا بسعيه أفضل رضوانه، ممهّدا بالتقوى لتدبيره أكناف جنانه.
وأمير المؤمنين [يحتسب] عند الله هذه الرّزيّة الّتي عظم بها المصاب، وعظم عند تجرّعها الصّاب، وأضرمت القلوب نارا، وأجرت الآماق دما ممارا «٢» ، وأطاشت بهولها الأكباد بالحرق، وكحلت الأجفان بالأرق، وكادت لهجومها الصدور تقذف أفئدتها، والدنيا تنزع نضرتها وبهجتها، وقواعد الملّة تضعف وتهي، والخطوب الكارثة تصرّ «٣» ولا تنتهي، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! تسليما لأمره الذي لا يدفع، وإذعانا لقضائه الذي لا يصدّ ولا يمنع.
وكان الإمام الفلانيّ لدين الله أمير المؤمنين عند نقلته جعل لي عقد الخلافة، ونصّ عليّ بارتقاء منصبها المخصوص بالإنافة، وأفضى إليّ بسرّها المكنون، وأودعني غامض علمها المصون، وعهد إليّ أن أشملكم بالعدل والإحسان، والعطف والحنان، والرحمة والغفران، والمنّ الرائق الذي لا يكدّره امتنان، وأن أكون لأعلام الهدى ناشرا، وبما أرضى الله مجاهرا، ولأحزاب القبلة مظافرا مظاهرا، ولأعداء الملة مرغما قاهرا، ولمنار التوحيد رافعا، وعن حوزة الإسلام بغاية الإمكان دافعا، مع علمه بما خصصت به من كرم الشّيم،