للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد، فإنّ المستأثر بالدّوام، اللّطيف بالأنام، أنشأهم على التغاير والتباين، واضطرهم إلى التّجاور والتعاون، وجعل لهم مصلحة الاشتراك، ومنفعة الالتحام والاشتباك، طريقا إلى الأفضل في حياتهم، والأسعد لغاياتهم، وبعث النبيين مرغّبين ومحذّرين، ومبشّرين ومنذرين، فأدّوا عنه ما حمّل، وبيّنوا ما حرّم وحلّل، وكان أعمّهم دعوة، وأوثقهم عروة، وأعلاهم في المنزلة عنده ذروة، وأعطفهم للقلوب وهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، المخصوص بالمقام المحمود، والحوض المورود، وشفاعة اليوم المشهود، ولواء الحمد المعقود، صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أفضل صلاة تفضي إلى الظلّ الممدود، وتبلغنا من شفاعته أفضل موعود، بعثه الله للأحمر والأسود، والأدنى والأبعد، فصدع بأمره وظلام الليل غير منجاب، والدّاعي إلى الله غير مجاب، وأهل الجاهلية كثير عددهم، شديد جلدهم، بعيد في الضّلالة والغواية أمدهم، فسلك من هدايتهم سبيلا، وصبر لهم صبرا جميلا، يحبّ صلاحهم وهم العدوّ، ويلين لهم إذا جدّ بهم العتوّ، ويجهد في أظهار دينه ولدين الله الظهور والعلوّ، حتّى انقادوا بين سابق سبقت له السّعادة، ولا حق تداركته المشيئة والإرادة، ولما رفعت راية الإسلام، وشفعت حجّة الكتاب حجّة الإسلام «١» ، ودعي الناس إلى التزام الأحكام، ونهوا عن الاستقسام بالأزلام «٢» ، أخبتوا إلى الربّ المعبود، وأشفقوا من تعدّي الحدود، ووعظوا في الأيمان والعهود، فأتمروا للشرع حين أمر، وخافوا وخامة من إذا عاهد غدر، فكان الرجل يدع الخوض فيما لا يعلمه، ويترك حقّه لأجل يمين تلزمه، وشرعت الأيمان في كلّ فنّ بحسب المحلوف عليه، وعلى قدر الحاجة إليه، فواحدة في المال لحقّ الأداء، وأربع مخمّسة عند ملاعنة النّساء، وخمسون انتهي إليها في أحكام الدّماء، فتوثّق للحدود على مقاديرها، وجرت أمور

<<  <  ج: ص:  >  >>