ماضيا على الهول مضاء الحسام القاضب، غاضبا لأمر الله ورضاه على غاية هذا الغاضب، مالت إليه الأجياد، وانثالت عليه البلاد، فانتظمها مدينة مدينة، وجعل التوكّل على الله سبحانه شريعة منيعة وذريعة معينة، وتقدّم- أيده الله- بأخذ البيعة على نفسه وعلى أهل الملّة قاطبة للقائم بأمر الله سيّدنا ومولانا الخليفة الإمام المستنصر بالله أبي جعفر أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آله الخلفاء الراشدين، وكان له في ذلك المرام السّعيد، والمقام الحميد، والقدم «١» الذي رضي إبداءه وإعادته المبديء المعيد، وخاطب الدّيوان العزيز النبويّ- خلّد الله شرفه- متضرّعا لوسائل خدمته، متعرّضا لعواطف رحمته، وبعث رسوله على أصدق رجاء في القبول، وأثبت أمل في الإسعاف بالمأمول، وأثناء هذه الإرادة القويمة، والسّعادة الكريمة، تفاوض أهل البلاد في توثيق عقدهم للسلطان فلان المشار إليه الذي هو حكم من أحكام الإجماع المنعقد، وأصل أفضى إليه نظر الناظر واجتهاد المجتهد، إذ أجالوا الأمر فيما يزيده وثاقة، ويكسو وجهه على الأيّام بشرا وطلاقة، ويجعل القلوب مطمئنّة برسوخه في الأعقاب، وثبوته على الأحقاب، فلم يروا رأيا أسدّ، ولا عملا أحصف وأشدّ، من أن يطلبوه بعقد البيعة لابنه الواثق بالله المعتصم به أبي بكر محمد بن مجاهد الدين، سيف أمير المؤمنين، على أن يكون وليّ عهدهم مدّة والده مدّ الله في حياته، وأميرهم عند الأجل الذي لا بدّ من موافاته، فأمضى لهم ذلك من اتّفاقهم، وأثبتوا على ما شرطته بيعته في أعناقهم. وبعد ذلك أتى صولة الإسلام، وصلة دار السّلام، وورد رسول مثابة الجلالة، ونيابة الرّسالة، وملتزم الملائك، ومعتصم الممالك، ومعه الكتاب الذي هو نص أغنى عن القياس، بل هو نور يمشي به في الناس، وأدّى إلى السلطان فلان المشار إليه من تشريف الدّيوان العزيز النبويّ ما وسمه من الفخار بأجلّ وسمه، وقلّده السيف الصارم وسمّاه باسمه، فتلاقى السيفان المضروب والضارب، واشتبه الوصفان الماضي