لأئمّتنا الاجتهاد في النّوازل والأحكام فاجتهادهم لا ينكر، خصوصا في شأن الإمامة الّتي هي آكد أسباب المعالم الدينيّة وأقواها، وأرفع المناصب الدّنيويّة وأعلاها، وأعزّ الرّتب رتبة وأغلاها، وأحقّها بالنظر في أمرها وأولاها. وكان القائم بأمر المسلمين الآن فلان بن فلان الفلانيّ ممّن حاد عن الصّراط المستقيم، وسلك غير النّهج القويم، ومال عن سنن الخلفاء الراشدين فأدركه الزّلل، وقارف المآثم فعاد بالخلل، فعاث في الأرض فسادا، وخالف الرّشد عنادا، ومال إلى الغيّ اعتمادا، وأسلم إلى الهوى قيادا، قد انتقل عن طور الخلافة، وعزيز الإنافة، إلى طور العامّة فاتّصف بصفاتهم، واتّسم بسماتهم، فمنكر يجب عليه إنكاره قد باشره، وصديق سوء يتعيّن عليه إبعاده قد وازره وظاهره، إن سلك فسبيل التّهمة والارتياب، أو قصد أمرا نحا فيه غير الصّواب، منهمك على شهواته، منعكف على لذّاته، متشاغل عن أمر الأمّة بأمر بنيه وبناته، الجبن رأس ماله، وعدم الرأي قرينه في أفعاله وأقواله، قد قنع من الخلافة باسمها، ورضي من الإمامة بوسمها، وظنّ أنّ السّودد في لبس السّواد فمال إلى الحيف، وتوهّم أنّ القاطع الغمد فقطع النظر عن السّيف.
ولمّا اطّلع الناس منه على هذه المنكرات، وعرفوه بهذه السّمات، وتحقّقوا فيه هذه الوصمات، رغبوا في استبداله، وأجمعوا على خلعه وزواله، فلجأوا إلى السلطان الأعظم الملك الفلاني (بالألقاب السلطانية إلى آخرها) نصر الله جنوده، وأسمى جدوده، وأرهف على عداة الله حدوده، ففوّضوا أمرهم في ذلك إليه، وألقوا كلّهم عليه، فجمع أهل الحلّ والعقد منهم، ومن تصدر إليهم الأمور وترد عنهم، فاستخاروا الله تعالى وخلعوه من ولايته، وخرجوا عن بيعته، وانسلخوا عن طاعته، وجرّدوه من خلافته، تجريد السّيف من القراب، وطووا حكم إمامته، كطيّ السّجلّ للكتاب. وعندما تمّ هذا الخلع، وانطوى حكمه على البتّ والقطع، التمس الناس إماما يقوم بأمور الإمامة فيوفيها، ويجمع شروطها ويستوفيها، فلم يجدوا لها أهلا، ولا بها أحقّ وأولى، وأوفى بها وأملى، من السيّد الأعظم الإمام النبوي سليل الخلافة، ووليّ الإمامة أبي