كلّ بعيد وقريب، وإنّ الله أمر بأوامر ونهى عن نواه وهو رقيب، وتستفزع الأولياء لها السّجايا، وتتضرّع الخطباء فيها بنعوت الوصايا، وتكمّل بها المزايا، ويتكلّم بها الواعظ ويخرج من المشايخ الخبايا من الزّوايا، وتسمر بها السّمّار ويترنّم الحادي والملّاح، ويروق شجوها في الليل المقمر ويرقم على جنب الصّباح، وتعطّر بها مكة بطحاءها وتحيا بحديثها قباه، ويلقّنها كلّ أب فهم ابنه ويسأل كلّ ابن أن يجيب أباه، وهو لكم أيّها الناس من أمير المؤمنين رشد وعليكم بيّنة، وإليكم ما دعاكم به إلى سبيل ربّه من الحكمة والموعظة الحسنة، ولأمير المؤمنين عليكم الطاعة ولولا قيام الرّعايا بها ما قبل الله أعمالها، ولا أمسك بها البحر ودحا الأرض وأرسى جبالها، ولا اتفقت الآراء على من يستحقّ وجاءت إليه الخلافة تجرّ أذيالها، وأخذها دون بني أبيه ولم تكن تصلح إلّا له ولم يكن يصلح إلّا لها، وقد كفاكم أمير المؤمنين السّؤال بما فتح لكم من أبواب الأرزاق، وأسباب الارتفاق، وأحسن لكم على وفاقكم وعلّمكم مكارم الأخلاق، وأجراكم على عوائدكم ولم يمسك خشية الإملاق، ولم يبق على أمير المؤمنين إلّا أن يسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ويعمل بما ينتفع به من يجيء- أطال الله بقاء أمير المؤمنين- من بعده، ويزيد على كل من تقدّم، ويقيم فروض الحج والجهاد، وينيم الرعايا بعدله الشامل في مهاد، وأمير المؤمنين يقيم على عباده موسم الحجّ في كل عام، ويشمل سكّان الحرمين الشريفين وسدنة «١» بيت الله الحرام، ويجهّز السبيل على عادته ويرجو أن يعود إلى حاله الأوّل في سالف الأيّام، ويتدفّق في هذين المسجدين بحره الزاخر ويرسل إلى ثالثهما البيت المقدّس ساكب الغمام، ويقوم بقومة قبور الأنبياء- صلوات الله عليهم- أين كانوا وأكثرهم في الشام، والجمع والجماعات هي فيكم على قديم سننها، وقويم سننها، وستزيد في أيّام أمير المؤمنين بمن انضمّ إليه، وبما يتسلّمه من بلاد الكفّار ويسلم على يديه.