مالك بن الأشتر النخعيّ «١» حين ولّاه مصر، وهو من العهود البليغة جمع فيه بين معالم التّقوى وسياسة الملك.
وهذه نسخته فيما ذكره ابن حمدون «٢» في تذكرته:
هذا «٣» ما أمر [به عبد الله]«٤» عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحرث الأشتر؛ في عهده إليه، حين ولّاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه «٥» التي لا يسعد أحد إلا باتّباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها؛ وأن ينصر الله تعالى بيده وقلبه ولسانه، فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره، وإعزاز من أعزّه. وأمره أن يكسر من نفسه عند الشّهوات، ويزعها عند الجمحات؛ فإنّ النفس لأمّارة بالسّوء إلّا ما رحم الله.
ثم اعلم يا مالك أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك: من عدل وجور، وأنّ الناس ينظرون «٦» من أمورك [في مثل]«٧» ما كنت تنظر فيه من أمر الولاة قبلك، ويقولون فيك كما كنت تقول فيهم. وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصالح. فاملك هواك، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك؛ فإنّ الشّحّ بالنفس الانتصاف منها فيما أحبّت وكرهت. وأشعر قلبك بالرحمة للرّعيّة، والمحبّة لهم،