واللّطف بهم؛ ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدّين، وإمّا نظير لك في الخلق: يفرط منهم الزّلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ: فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه: فإنّك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك؛ والله فوق من ولّاك. وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم؛ ولا تنصبنّ نفسك لحرب الله، فإنه لا يدي «١» لك بنقمته؛ ولا غنى بك عن عفوه ورحمته؛ ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجّحن بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة «٢» وجدت عنها مندوحة؛ ولا تقولنّ إنيّ امرؤ «٣» آمر فأطاع: فإن ذلك إدغال في القلب، ومهلكة في الدّين، وتقرّب من الغير «٤» . وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله تعالى فوقك، وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك؛ فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك ويكفّ عنك من غربك «٥» ، ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك. وإيّاك ومساماة الله تعالى في عظمته، والتشبّه به في جبروته، فإن الله يذلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال.
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك وممّن لك فيه هوى من رعيّتك: فإنّك إلّا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله، أدحض حجّته وكان لله حربا حتّى ينزع ويتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم [فإنّ الله سميع يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد]«٦» .