بمن كثرت منه ومن سلفه الكريم على الرّعايا الأواصر «١» ، وعقد لواء الملك لمن هو واحد في الجود ألف في الوغى ففي حاليه تعقد عليه الخناصر؛ وجمع كلمة الأمّة بمتفرّد في المعالي متوحّد في المفاخر، متّصف بمناقب أربى بها على أربابها من الملوك الأوائل والأواخر؛ وأقرّ النواظر والخواطر بمن أشرق عليهما نوره الباهر، وظهرت آثار وجوده وجوده على البواطن والظّواهر؛ وأعاد شبيبة الأيّام في اقتبال سرّ السرائر، وسارت بشائر مقدمه في الآفاق سير المثل وما ظنّك بالمثل السائر؛ وفعلت مهابته في التمهيد والتشييد فعل القنا المتشاجر، وشفت الصّدور بوجود الاتّفاق وعدم الشقاق بعد أن بلغت القلوب الحناجر؛ وأورث البلاد والعباد صفوة ذرّية ورثوا السيادة كابرا عن كابر، وسرى سرّه إذا ولد المولود منهم تهلّلت له الأرض واهتزّت إليه المنابر.
والحمد لله الذي اجتبى سيدنا محمدا صلّى الله عليه وسلم من أشرف بيت وقبيلة، ومنح الأمّة برسالته من خيري الدنيا والآخرة الوسيلة، وأوجب الشفاعة لمن سأل الله له أعلى درجة لا ينالها إلا رجل واحد وهي الوسيلة؛ وجعل شملهم بمبايعته ومتابعته في الهداية نظيما، وحضّ على ذلك بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
«٢» . وبلّغهم به من السعادة غاية مطلوبهم، وأيده بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم؛ وزان شريعته المطهّرة بمحاسن أبهى منظرا ومخبرا من العقود، وفرض على المؤمنين أن يوفوا بالعهود وبالعقود؛ وأقدرهم على حمل الأمانة التي أشفقت السموات والأرض والجبال من حملها، وأنزل في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها