للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الحمد لله الذي جعل الخلافة العبّاسية بعد القطوب حسنة الأبتسام، وبعد الشّحوب جميلة الاتّسام، وبعد التشريد كلّ دار إسلام لها أعظم من دار السّلام.

والحمد لله على أن أشهدها مصارع أعدائها، وأحمد لها عواقب إعادة نصرها وإبدائها، وردّ تشتيتها بعد أن ظنّ كلّ أحد أنّ شعارها الأسود ما بقي منه إلا ما صانته العيون في جفونها والقلوب في سويدائها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يتلذّذ بذكرها اللّسان، وتتعطّر بنفحاتها الأفواه والأردان، وتتلقّاها ملائكة القبول فترفعها إلى أعلى مكان، ونصلّي على سيدنا محمد الذي أكرمنا الله به وشرّف لنا الأنساب، وأعزّنا به حتّى نزل فينا محكم الكتاب؛ صلّى الله عليه وعلى آله الذين انجاب الدّين منهم عن أنجاب، ورضي الله عن صحابته الذين هم خير صحاب، صلاة ورضوانا يوفّى قائلها أجره يوم الحساب من الكثرة بغير حساب يوم الحساب.

وبعد حمد الله على أن أحمد عواقب الأمور، وأظهر للإسلام سلطانا اشتدّت به للأمة الظّهور وشفيت الصّدور، وأقام الخلافة العباسية في هذا الزمن بالمنصور كما أقامها فيما مضى بالمنصور، واختار لإعلان دعوتها من يحيي معالمها بعد العفاء ورسومها بعد الدّثور، وجمع لها الآن ما كان جمح «١» عليها فيما قبل من خلاف كلّ ناجم، ومنحها ما كانت تبشرها به [صحف] «٢» الملاحم، وأنفذ كلمتها في ممالك الدّولة العلوية بخير سيف مشحوذ ماضي العزائم، ومازج بين طاعتها في القلوب وذكرها في الألسنة وكيف لا والمنصور هو الحاكم؟ وأخرج لحياطة الأمّة المحمّديّة ملكا تقسّم البركات عن يمينه، وتقسّم السعادة بنور جبينه، وتقهر الأعداء بفتكاته، وتمهر عقائل المعاقل بأصغر راياته، ذو السعد الذي ما زال نوره يشفّ

<<  <  ج: ص:  >  >>