وملاك ذلك كلّه في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب، وقدّر يوما منه بعبادة ستّين عاما في الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوّة في أمره وتحصّن به من عدوّه ومن دهره؛ ثم يجاء به يوم القيامة وفي يديه كتابا أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن؛ ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمّة «١» ملكه على لمّة شيطانه، ومن أوكد فروضه أن يمحي السّنن السيئة التي طالت مدد أيّامها، ويئس الرّعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدا لانحسار ظلامها؛ وتلك هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غنى للأيدي الغنيّة إذا كانت ذا [ت]«٢» نفوس فقيرة؛ وكلّما زيدت الأموال الحاصلة منها قدرا زادها الله محقا وقد استمرّت عليها العوائد حتّى ألحقها الظالمون بالحقوق الواجبة فسمّوها حقّا؛ ولولا أنّ صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثّلت توبة المرأة الغامديّة بمتابه؛ وهل أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب منهم بما يعلم وبما لم يحط به علما. وأنت مأمور بأن تأتي هذه الظّلمات فتنحي على إبطالها، وتلحق أسماءها في المحو بأفعالها، حتّى لا يبقى لها في العيان صور منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة؛ فإذا فعلت ذلك كنت قد أزلت عن الماضي سنّة سوء سنّتها يداه، وعن الآتي متابعة ظلم وجده طريقا مسلوكا فجرى على مداه؛ فبادر إلى ما أمرت به مبادرة من لم يضق به ذراعا، ونظر إلى الحياة الدّنيا بعينه فرآها في الآخرة متاعا، واحمد الله على أن قيّض لك إمام هدى يقف بك على هداك، ويأخذ بحجزتك عن خطوات الشيطان الذي هو أعدى عداك؛ وهذه البلاد المنوطة بنظرك تشتمل على أطراف متباعدة، وتفتقر في سياستها إلى أيد مساعدة، وبهذا تكثر فيها قضاة الأحكام، وأولوا تدبيرات السّيوف والأقلام؛ وكلّ من هؤلاء ينبغي أن يفتن على نار الاختبار، ويسلّط عليه شاهدا عدل من أمانة الدّرهم