للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدّينار، فما أضلّ الناس شيء كحبّ المال الذي فورقت من أجله الأديان، وهجرت بسببه الأولاد والإخوان، وكثيرا ما يرى الرجل الصائم القائم وهو عابد له عبادة الأوثان؛ فإذا استعنت بأحد منهم على شيء من أمرك فاضرب عليه بالأرصاد، ولا ترض بما عرفته من مبدإ حاله فإنّ الأحوال تتنقّل تنقّل الأجساد، وإيّاك أن تخدع بصلاح الظاهر كما خدع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بالرّبيع ابن زياد «١» ؛ وكذلك فأمر هؤلاء على اختلاف طبقاتهم أن يأمروا بالمعروف مواظبين، وينهوا عن المنكر محاسبين، ويعلموا أنّ ذلك من دأب حزب الله الذين جعلهم الغالبين، وليبدأوا أوّلا بأنفسهم فيعدلوا بها عن هواها، ويأمروها بما يأمرون به من سواها، ولا يكونوا ممن هدى إلى طريق البرّ وهو عنه حائد، وانتصب لطبّ المرضى وهو محتاج إلى طبيب وعائد، فما تنزل بركات السماء إلّا على من خاف مقام ربّه، وألزم التقوى أعمال يده ولسانه وقلبه؛ فإذا صلحت الولاة صلحت الرعية بصلاحهم، وهم لهم بمنزلة المصابيح ولا يستضيء كلّ قوم إلا بمصباحهم.

ومما يؤمرون به أن يكونوا لمن تحت أيديهم إخوانا في الاصطحاب، وأعوانا في توزّع الحمل الذي يثقل على الرّقاب؛ فالمسلم أخو المسلم وإن كان عليه أميرا، وأولى الناس باستعمال الرّفق من كان فضل الله عليه كبيرا، وليست الولاية لمن يستجدّ بها كثرة اللفيف، ويتولّاها بالوطء العنيف، ولكنّها لمن يمال على جوانبه، ويؤكل من أطابيه، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر، وإذا ألحف في سؤاله لم يلحق الإلحاف بخلق الضّجر، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين، والذي يدعى بالحفيظ العليم وبالقويّ الأمين؛ ومن سعادة المرء أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>