وبعد، فإنا ألهمنا الله من مصالح الأمم، وخوّلنا من الحرص على مهمّات العباد الذي قطع به شأفة الكفر وختم، وأتى به والشرك قد علم كلّ أحد اشتعال ناره فكان علما بنار مضرمة لا نارا على علم، وقدّره من رفع الكفر من جميع الجوانب، وقفوهم من كل جهة حتّى رماهم بالحتف الواصل والعذاب الواصب «١» ، فأصبح الشّرك من الإبادة في شرك، والإسلام لا يخشى من قتل ولا يخاف من درك، وثغور الإسلام عالية المبتنى، جانية ثمار الادّخار من هنا ومن هنا، تزاحم بروجها في السماء البروج، وتشاهد الأعداء منها سماء قد بنيت وزيّنت وما لها من فروج، وعساكر الملّة المحمديّة في كلّ طرف من أطراف الممالك تجول، وفي كلّ واد تهيم حتّى تشعر بالنصر ولكنّها تفعل ما تقول: قد دوّخت البلاد فقتلت الأعداء تارة بالإلمام وتارة بالإدهام «٢» ، وسلّت سيوفها فراعتهم يقظة بالقراع ونوما بالأحلام، ترى أنا قد لذّ لنا هذا الأمر التذاذ المستطيب، وحسن لدينا موقعه فعكفنا عليه عكوف المستجيد ولبّيناه تلبية المستجيب، وجعلنا فيه جميع الآلات والحواس، وتقسّمت مباشرته ومؤامرته سائر الزمن حتّى غدا أكثر تردّدا إلى النّفس من الأنفاس، واستنفدنا الساعات في امتطاء المضمّر الشّموس، وادّراع محكم الدّلاص «٣» التي كأنها وميض برق أو شعاع شموس، وتجريد المرهفات التي جفت لحاظها الأجفان، وجرت فكالمياه وأضرمت فكالنّيران، وتفويق السهام التي غدت قسيّها مرابعا نبالها بان «٤» ، واعتقال السّمهريّة التي تقرع الأعداء سنّها ندما كلّما قرعت هي السّنان، إلى غير ذلك، من كلّ غارة شعواء تسيء للكفّار الصّباح، وتصدم كالجبال وتسير كالرّياح، ومنازلات كم استلبت من موجود، وكم استنجزت من نصر موعود، وكم مدينة أضحت لها مدينة ولكن أخّرها الله إلى أجل معدود.